مرام علي تتفوّق بتجسيد الشرّ
لست أدري من يقدّم المشورة إلى الحكومة في الأزمة الحاليّة، وأجهل تماماً طبيعة هذه المشورات، لكن ما يمكن أن استشفّه من خلال السلوك العملي وليس الخطابات الرسمية، أن هناك من ينصح الحكومة بالتعايش مع الأزمة، طمعاً في كسب المزيد من الوقت، وبلوغ التهدئة بعد حين.
التعايش مع الأزمة تطبيق مقتبس من العلوم الطبية، فحينما يعجز الأطباء عن علاج بعض الحالات المرضية، ومنها خطير كالسرطان، يلجأ هؤلاء إلى دفع المريض للتعايش مع مرضه، تحت رقابة حذرة، إذ يقود أدنى خطأ، إلى انهيار معادلة التعايش وتدهور حالة المريض، وربما وفاته.
إذا صحّ استنتاجي من أن الحكومة لقد لجأت إلى أسلوب التعايش مع الأزمة، فأعتقد أنها تعرّض نفسها ومن ورائها الدولة العراقية برمتها، ومن أمامها المجتمع بأكمله، إلى مخاطر جمّة ومزالق لا تُحمد عقباها، وتداعيات مروّعة على النظام العام ومعيشة الناس، وأمن البلد واستقراره، وذلك لأسباب عديدة، في طليعتها أن التعايش لا يلغي الأزمة ولا ينزع فتيلها، بل قد تعود هذه الأزمة لكي تتفجّر على نحو أكبر وأوسع وأكثر تدميراً.
لا أريد أن أذهب إلى التصنيفات الجاهزة في وصف الشباب المحتج اليوم، بأنه الجيل الرابع للثورات أو الاحتجاجات العربية، لكن الشيء المؤكد الذي تؤيده المشاهد اليومية، أن هذا الجيل المحتج أو بعضه على الأقل، يختلف عن جيلنا وغيرنا حين مارسنا فعل الاحتجاج والمعارضة، ومن ثمَّ فإن معادلة التعايش لا تصلح أداة للتعامل معه، لأنها تعبير عن موقف سلبي أو شبه محايد في التعامل مع احتجاجاته، يشعره بالتهميش.
لذلك كله ينبغي التفكير بإدارة إيجابية للأزمة، ولا أعتقد أن إدارة الأزمات وقد تحوّلت إلى علم بقواعد ومبادئ محدّدة، وبرامج تنفيذية فنية، عاجزة عن مدّنا بالحلول الملائمة. من خلال متابعة يومية حثيثة لما تنشره وسائل الإعلام وبعض مواقع التواصل، من مواكبة للأزمة، نلمس سيلاً جارفاً من الآراء والأفكار والبرامج والمقترحات، التي ترسلها عقول العراقيين، من جميع الفئات والمواقع، ما يصلح أن يكون خميرة ننطلق منها، لتأسيس حوار وطني جاد ومُلهم.ليست الأزمة الحاضرة في بلدنا وحيدةُ الدهر، فالأزمات موجودة في بلدان العالم جميعاً، قبل أزمة العراق وبعدها. والآن حيث أكتب هذه الأسطر هناك أكثر من بلد في أميركا اللاتينية يعيش أزمات من الفصيلة ذاتها، وفي منطقتنا هدأت للتو أزمة السودان، يينما أزمة الجزائر لا تزال مستعرة وفي تصاعد، وفي عرض أزمتنا هناك الأزمة اللبنانية التي قال الكثيرون في وصفها، إنها أزمة موازية للأزمة العراقية، وهكذا.لكن العبرة هي في التعامل مع الأزمة، وما أراه أن التعايش كخيار حلٍ للأزمة العراقية من قبل الحكومة، إذا صحّ فهمي واستنتاجي، هو نسخة غير مجدية للتعامل مع الأزمة الحاضرة لبلدنا، لأنها تعبّر عن روح سلبية بل هروبية، وحتى الطب لا يلجأ إلى هذا الحلّ ولا يوصي بها الأطباء، إلا عندما تضيق أمامهم الخيارات بل تنعدم.وبلد كمثل العراق وبأهميته وإمكاناته ينبغي أن يدخل معترك الحلول بإيجابية وعزم وثقة، من أبوابها الواسعة، وفي تجارب العالم من حولنا، بل في تجارب بلدنا نفسه خلال القرن الأخير ألف بابٍ وباب، ينفتح من كلّ بابٍ حل، شرط أن تتوفر الإرادة لفعل ذلك!