سوف والثقة المفقودة

آراء 2019/11/17
...

حسين علي الحمداني
عملية الإصلاح ومحاربة الفساد وقيام دولة المؤسسات بدل دويلات الأحزاب، هذه الأمور تحتاج لإرادة سياسية كي ترى النور، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بمجرد أن نرفع شعارات أو نصرح لوسائل الإعلام تصريحات مسبوقة بـ (سوف) ولمن لا يعرف فإنّ سوف حرف مبنيٌّ على الفتح يخصِّص أفعال المضارعة للاستقبال البعيد، فيردّ الفعل من الزمان الضيّق وهو الحال إلى الزمان الواسع وهو الاستقبال وهو يقتضي معنى المماطلة والتأخير، ويستعمل في الوعيد. ومجرد مطالعتنا لتعريف هذا الحرف من المعجم العربي يجعلنا لا نثق بمن يستخدمه لمرة واحدة فكيف وإنه يستخدم بشكل مستمر من قبل مسؤولينا منذ سنوات طويلة وبالتأكيد هم يدركون معناه جيدا.
بالعودة لبداية مقالنا هذا، نسأل هل تتوفر إرادة سياسية للإصلاح ومحاربة الفساد وبناء دولة المؤسسات؟ الجواب لا تتوفر حتى هذه اللحظة تلك الإرادة التي ننشدها، وكل ما يمكن أن يصدر من الأحزاب بمختلف مشاربها أنّها تلقي بالفساد على بعضها البعض دون التسمية، حتى مذكرات استقدام الوزراء والمسؤولين في المحافظات تكون تحت بند (استقدام) وهو ما يعني بأنّه لا نوايا في توجيه تهم بقدر ما إن الأمر لا يتعدى ذر الرماد في العيون، وقد طالعنا في الأيام الماضية عددا كبيرا من الأخبار المتعلقة بكشف ومحاسبة مسؤولين دون ذكر أسمائهم أو مناصبهم أو حتى الإشارة للكتل السياسية التي 
ينتمون إليها.
وتقارير هيئة النزاهة التي يتم الكشف عنها يوميا هذه الأيام تؤكد أنّ ثمة أرقاما خيالية صرفت دون وجه حق كقضية مبلغ 45 مليار دينار في الرواتب التقاعدية لأعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الحكم ودورتين برلمانيتين ووزراء من تلك الحقبة، 
وغيرها من الملفات.
هذا يعني كما نقلنا أنّ الرغبة في محاربة الفساد غير متوفرة لدى الأحزاب، هذا يسمى إصلاحا وهميا، ومن هنا وجدنا تأكيد المرجعية العليا بضرورة إجراء إصلاحات حقيقية بمدد معقولة، أي هنالك سقف زمني محدد وليس فضاءً واسعا يشكّل في النهاية ما يمكن تسميته بسراب الإصلاح 
ووهم محاربة الفساد.
ما نجده اليوم لدى أغلبية الشعب ومن ضمنهم من اتّخذ التظاهر وسيلة للتعبير عن الرأي وهذا حقه الدستوري، تجد أنّ هؤلاء الأغلبية يربطهم قاسم مشترك واحد يتمثل بعدم الثقة بالوعود التي تقطع، وأحيانا كثيرة يصل الأمر بعدم الثقة بالقوانين والقرارات التي يتخذها البرلمان العراقي، وهنا علينا أن نسأل من المسؤول عن قطع (شعرة معاوية) بين الشعب وسلطاته سواء التشريعية أو التنفيذية؟، المسؤول الأول السلطتان التشريعية والتنفيذية عبر إطلاقها الوعود المستمرة من دون تحديد سقوف زمنيّة لها، وعوداً غايتها تخديرية ومحاولة عبور مرحلة أو موجة أو 
عاصفة غضب شعبيَّة.
ربما نجت السلطتان في تجاوز أزمات سابقة بوعود قطعتها، لكن هذه المرة نجد أن الوعود لم يعد موثوقا بها، بل أحيانا حتى تطبيقها على أرض الواقع لم يعد كافيا، في ظل حالة عدم الثقة التي يمكننا القول أنّها 
ترسّخت لدى المواطن.