واقعة وأرقام !

الصفحة الاخيرة 2019/11/20
...

 جواد علي كسّار
كلّ من يكتب عن تجربة اليابان الحديثة لابدّ أن يشير الى الحركة الاصلاحية للجنرال ميجي ( في السلطة : 1868 – 1912م) مؤسس النهضة اليابانية الحديثة، هذه النهضة التي وضعت اليابان في قلب العالم المعاصر، رغم هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وغزوها من الاميركان.
نستطيع أن نختزل نهضة اليابان في عصر الميجي، بمحاور ثلاثة، هي بناء الدولة المركزية، واعداد جيش عصري، وتأسيس اقتصاد صناعي. كيف فعل الميجي ذلك في بلد زراعي اقطاعيّ امبراطوريّ متخلف مثل اليابان؟ لقد كان التعليم هو أحد أبرز مفاتيح الميجي، ان لم يكن أبرزها جميعاً، فقد كان الطريق الى تحديث اليابان على مستوى بناء الدولة الحديثة، وفي تأسيس الصناعة والجيش، يمر عبر الغرب ودوله التي تملك زمام التقدم في هذه المجالات.
التقط الميجي هذه النقطة ولم يضع وقته بالتردّد والتسويف والتعويق السياسي والاداري، بل دفع خيرة شباب اليابان في عصره ببعثات الى اميركا واوروبا، وأنشأ لهذا الغرض جمعية تثقيفية دعائية لحثّ الشباب الياباني للالتحاق بهذه البعثات، اطلق عليها وصف جمعية الميجي لتشجيع التعلّم من الغرب واكتساب الخبرات، ليس فقط في الصناعة والعلوم، وانما في الشؤون السياسية والاجتماعية أيضاً.
لم تكن مكتبات اوروبا واميركا قد دخلت عصر التصوير والمايكروفيلم بعد، لذلك كان الطلبة اليابانيون يدرسون في الجامعات نهاراً، ويعكفون ليلاً على استنساخ اسرار العلوم والمعارف من المصادر والمراجع، ويبعثون بها الى بلدهم، لتتحوّل الى قاعدة صلبة لنهضة البلد وبناء اليابان الحديثة. أجل، كانوا يمارسون عملية سرقة التقدم الغربي في كلّ شيء، تحت شعار بناء اليابان وتحديثها، واليابانيون عرفوا في بواكير نهضتهم الاولى بالقدرة الفائقة على المحاكاة والتقليد في الصناعة، تماماً كما هو حال الصين وكوريا الشمالية ونمور آسيا وغيرها، فيما تشهده بلدانهم الآن، من دون أن يقلل ذلك من ابداعاتهم الذاتية والخاصة.
بمثل هذا الجهد والمثابرة وتعب السنين وسهر الليالي انكبّ اليابانيون على التعلّم داخل بلدهم وفي الغرب، فجاءت الحصيلة موجات متوالية من التقدّم على كلّ صعيد تقريباً، رغم بعض الانكسارات والهزائم، وقد مضوا بالعزيمة ذاتها بل وأقوى منها، بعد ضرب اليابان بالنووي الاميركي عام 1945م ، اذ لم يمض إلا أقل من ربع قرن، حتى عادت اليابان لتكون مع أوّل سبعينيات القرن المنصرم القوّة الاقتصادية الثانية أو الثالثة في العالم بعد اميركا، وبالتناوب مع المانيا الغربية.
اكتب هذه الواقعة المعروفة عن اليابان وأُذكّر بها، بعد أن اطلعت على أرقام حديثة عن مستوى التعليم بين بلدنا العراق ودول الخليج وايران، فمستوى التعليم العام في الكويت هو 99,15 % ، وفي السعودية 99,3 % ، وفي البحرين 98,62 % ، وفي قطر 98,38 % ، وفي الامارات 93,63 % ، وفي سلطنة عمان 98,51 % ، وفي ايران 98,19 % ، أما في العراق فتبلغ النسبة وفق الاحصائية نفسها 57,01 % أضف اليها مشكلات تعطيل الدراسة أو تسيبها حتى الآن، لنتصور حجم الكارثة!
ينبغي أن نثبت هذه الحقائق بارقامها المفزعة والواقع السلبي للتعليم هذه السنة، ونضيف إليها تداعيات تلكؤ الدراسة، لنتداعى جميعاً الى موقف حاسم لتجاوز هذه المحنة بشجاعة، تاركين الشعارات جانباً، منتبهين الى حجم الكارثة التي تهدّد هذا الجيل في البرهة الحاضرة !