جواد علي كسّار
يعيد الدارسون البنية الوجودية لأكبر اقتصاد في العالم هو الاقتصاد الاميركي، وقوتها العسكرية التي تعدّ الأولى في الوقت الحاضر، إلى ثلاثة عناصر هي الثروة، والصناعات العسكرية، وغرف أو مراكز التفكير.
فبحسب مؤشّر جامعة بنسلفانيا لعام 2015بلغ عدد مؤسسات الفكر والرأي حوالي سبعة آلاف، أو على وجه الدقة( 4750) في جميع قارات العالم والبلدان كافة، منها ( 1931) مؤسسة في اميركا الشمالية؛ أي اميركا وكندا ومعهما المكسيك، وفي أوروبا ( 1770) مؤسسة، ما يعني أن ما يقرب من 55 % من جميع مؤسسات الفكر والرأي، تقع في اميركا الشمالية وأوربا.
تؤكد الأرقام في تقرير جامعة بنسلفانيا وغيره من المؤشرات الإحصائية، أن أكثر من 90 % من هذه المؤسسات، أُنشئت منذ عام 1951، في حين أصبح عدد هذه المؤسسات والمراكز في اميركا، أكثر من الضعف منذ عام 1980، وعلى وجه الدقة فقد أُنشئت 31 % من مؤسسات الفكر والرأي بين 1981ـ 1990، وأن ما يقرب من ربع هذه المؤسسات في اميركا البالغ عددها (1835) تقع في العاصمة واشنطن، إذ يبلغ عددها حوالي (400) مؤسسة، وأن أكثر من نصف مؤسسات الفكر والرأي تعود إلى الجامعات، في مؤشر عميق يكشف عن دور المعرفة والعقل الأكاديمي، في مدّ السياسة بما تحتاج إليه، وتغذية السياسات العامة بمراجعات نقدية للخطط والقرارات، وبخيارات تكميلية أو بديلة، ناشئة من ثمار العقل الأكاديمي.
بين أيدينا الكثير من المصادر والدراسات التي تُعطينا كشفاً تفصيلياً عن مراكز الأبحاث في اميركا، ودورها في رسم السياسات العامة وبناء القرارات،ذات الصلة بالشأن السياسي داخل اميركا وخارجها وفي العالم، وإلا فإن الإحصائيات تؤشّر على وجود ما يزيد على ستة آلاف مركز تفكير في اميركا، تتصل بالتسويق والشؤون العامة اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً وثقافياً، بل رأيت بعضَهم يرتفع بالعدد إلى قرابة تسعة آلاف مركز. ربما كان من بين أهمّ هذه المصادر« مراكز الأبحاث في اميركا» لتوماس ميديفتز، الذي صدر مترجماً إلى اللغة العربية سنة 2015. كذلك دراسة صدرت من العراق، بعنوان : « مراكز الأبحاث الاميركية ودورها في عملية صنع القرار في السياسة الاميركية» للأستاذ الجامعي د. صباح عبد الرزاق كبة، وهو كتابٌ حافلٌ بالمعلومات، ربما كان من فصوله المهمة، تلك التي تربط بين الرؤساء الاميركان ومراكز الأبحاث، منذ روزوفلت فإيزنهاور، مروراً بنكسون وكارتر وريغان، بلوغاً إلى بوش الابن ثمّ أوباما.
لقد تحولت مراكز الرأي والدراسات ، إلى دليلٍ لا بدّ منه للمعنيّ وصاحب القرار، للإطلاع على : « السوق العالمية للأفكار»، كما أصبحت ضرورة لا بدّ منها لعمل: « الجسر الرابط ما بين المجتمعات الأكاديمية وراسمي السياسة العامة» خاصة إذا نجحت هذه المؤسسات، بترجمة بحوثها التطبيقية ومراجعاتها الأساسية وما تنتهي إليه من قرارات، إلى لغةٍ مفهومة لصنّاع السياسات العامة.
إدارة البلد بالرغبة والمزاج والانفعال، أو بالعقلية البيروقراطية البالية وموروثها المتهرّئ، أو سلق القرارات على عجل في ساعاتٍ أو أيام، تحت طائلة ضغط الشارع وما شابه؛ هي كلها خطوات لن تسهم في بناء البلد، ووضعه على طريق النجاح والإدارة العلمية!