العقل الاحتجاجي!

الصفحة الاخيرة 2019/11/25
...

 جواد علي كسّار
مراكز الدراسات هي العقل الذي نفكر به، والاستبيانات هي البؤرة التي نُبصر من خلالها الواقع ونعي ما يدور حولنا. وبهذا الشأن اطلعتُ على نتائج استطلاع ميداني مباشر على عينة من محتجي التحرير، أحالت نتائجها في أسباب الاحتجاج، إلى عوامل ستة هي بالتسلسل، الخلل الدستوري، فساد النظام، البطالة والفقر، سوء الخدمات، قانون الانتخابات، أخيراً مفوضية الانتخابات.
بشأن الأهداف المتوخاة من الاحتجاج، جاءت نتائج تقرير مركز رواق بغداد للسياسات العامة، تؤكد أن 71 % من أفراد العينة يُطالب بتغيير النظام، مقابل 24% يُنادي بإصلاحه، و5 % تتمترس وراء أسباب أُخر. أما عن الوسائل أو الأساليب التي يمكن أن تحقق هذه الأهداف، فهي بحسب نتائج العينة تتراوح بين التظاهر السلمي، بنسبة كبيرة بلغت 65 % ، تلاها التوسّل بالعصيان المدني بنسبة متوسطة بلغت 32 %، مقابل أقلية هامشية صغيرة قدرها 3 %  تنادي بالعنف والصدام المسلح، أسلوباً للتغيير.
لقد ركز التقرير مضمونياً على رباعية الأسباب والأهداف والأساليب والنتائج المرتقبة. بشأن النتائج المرتقبة من الاحتجاج في مخيال المحتجين، فقد جاءت بحسب كاتب التقرير متباينة ومتنوعة وصادمة أيضاً، إذ تنتظر أغلبية من العينة تصل إلى 63 % تغييراً للنظام، مقابل فئة متوسطة تصل إلى 30 % تتوقع تحقّق الإصلاح، تقف أمامهما أقلية من 7 % تتحدّث عن حصول الفوضى، ودخول العراق تحت الوصاية الدولية مجدداً.
يتكوّن استبيان رواق بغداد من ثمانية اسئلة، أربعة مضمونية أشرنا إلى نتائجها، وأربعة تمهيدية ديموغرافية الطابع بحسب التقرير، استفهمت عن الجنس والعمر والعمل والمستوى التعليمي، كلّ ذلك بغية الربط بين نتائج الإجابات فيها، وأسباب الاحتجاج وأهدافه وأساليبه والنتائج المستوحاة. بدا حضور الذكور طاغياً في الاحتجاجات، إذ بلغ بحسب العينة 89 % مقابل 11 % للإناث، ورغم قلّة العنصر النسائي، فقد ساعد التواجد الأنثوي، في زيادة زخم الاحتجاجات، كما اسهم في إذكاء حماس الشباب.
كشف التوزيع العمْري للمتظاهرين عن شبابية المحتجين ، لكن دون إهمال الفئات العمرية الأخرى خاصة كبار السن، ودورهم في العقلنة والحفاظ على النظام. كما لم يكن التعليم عائقاً أو محفزاً بحسب التقرير، حيث سجّلت نتائج العينة 6 % من أصحاب الشهادات العليا، و33 % بكالوريوس، و27 % إعدادية، و18 % متوسطة، و16 % ابتدائية أو دونها. وفي المقابل كانت نسبة العاطلين من المحتجين 49 %، و28 % خاص، مقابل23 % من القطاع الحكومي.هذه عيّنة من المؤكد أن فيها نسبة من الخطأ وما إلى ذلك من نواقص الاستبيانات، بيد أن المهم هي الفكرة المحورية، التي افتتحنا بها العمود؛ من أن مراكز الدراسات هي العقل الذي نفكر به، ونعقل ما حولنا وما يجري في بلدنا، ونحن بأمسّ الحاجة إلى كثافة في النشاط المعرفي بأيدٍ عراقية؛ تفكّك العقل الاحتجاجي وتعالجُ أزماتنا!