حسن العاني
لأول مرة في حياتي أذهب الى السوق واتبضع حاجيات المطبخ بسبب الوعكة الصحية التي تعرضتْ لها زوجتي والزمتها الفراش، كان ذلك في عام 2005، وقد أجفلني يومها (لحم الغنم) فسعر الكيلو (7) آلاف دينار، وهو رقم كبير جعلني أشعر بتأنيب الضمير، ودفعني الى الاعتذار من زوجتي (مع نفسي طبعاً على عادة الرجل الشرقي)، لكوني أتهمها –على الدوام- ظلماً، بالمرأة المبذرة التي تشكو من شح (المصروف) مع انني اعطيها (20) ألف دينار كل يوم، وهو مبلغ كبير على رجل مثلي يعيش على صدقات الجرايد.
يقال ان الشك يسري في دماء النساء، وهذا غير صحيح بالمرة، لأنه يسري في دماء الرجال، ويعدُّ أهمّ مكوّنٍ في جيناتهم الوراثية، فعلى مدى الايام التي قصدت فيها السوق، توصلتُ الى قناعة واقعية، ان العشرين ألف دينار لا يمكن ان تنهض (بمصاريف) البيت الا بمعجزة ربانية، لان الامور لا تقتصر على اللحم، فهناك الدجاج والسمك ومتطلبات القدر الكثيرة، وهناك الفاكهة والجبن والبيض والصمون وأجور الماء والكهرباء والغاز والنقل والطبيب والملابس والمولدة والصابون ومساحيق الغسيل والماكياج (وهذه مشتريات لا تمثل الا الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها)، علماً ان اسرتنا لم تتعامل مع الموبايل والانترنت بسبب قدرتنا الشرائية المتدنية.. فكيف كنت أتهم زوجتي الخايبة (كل النسوان خايبات) بأنها توفر المال لنفسها من وراء ظهري، وكيف كنت أصفها بالمرأة التي تفتقد الى التدبير المنزلي؟!
الانسان طبع، وانا بطبعي متفائل، لا أتذمر ولا أولول، وانظر الى نصف الكأس المملوءة بالعصير الطبيعي، ولا أنظر الى النصف المملوء بالماء الخابط، وأُؤمن بأن وراء كل عسر يسراً ووراء كل شدة فرجاً في الطريق، من دون أن ابالي متى يأتي الفرج بعد شهر او سنة او اربعين عاماً، وكانت بشائر الانفراج تلوح في الأفق منذ عام 2005 الى عامنا المبارك هذا، حيث لا ندري من أين نتلقى البشارة حتى طفحت كؤوسنا بالعصائر والنبيذ (في الحقيقة، وعلى المستوى الشخصي لم اتذوق النبيذ الى الان ولا اعرف نوعه هل هو حلال ام حرام)، وطبعاً ما كان لهذه الاحوال ان تتبدل وتملأ الغبطة نفوسنا حتى انشقت أفواهنا من الابتسامات العريضة لولا تلك الحزم الكبيرة والمتعاقبة من الجهود التي بذلتها – زيادة على الجهد الحكومي- العديد من الاتحادات والمنظمات الانسانية، وفي مقدمتها اتحاد الفيدراليات الديمقراطي لمواجهة الكبت، كتلة السلامة الجينية للحفاظ على النسل البشري من الانقراض، رابطة النساء المعترضات على تراجع البطاقة التموينية، اتحاد الاقتصاديين الآثاريين للبحث عن ثروات الوطن المختفية في (باطن) الارض، جمعية الرفق بالمتقاعدين، تشكيلة الفنون القتالية الرياضية لمواجهة الحمايات، وجبهة التصدي والشمول لتسمين الاثرياء والعجول..
أخيراً أرجو من اصدقائي وزملائي ان يتوجهوا مثلي بدعاء صادق من قلوبهم لكي تتعافى زوجتي المسكينة فقد تعرضت قبل مدة ليست بعيدة الى الاصابة بمرض (الحسد النسوي) – وهو مرض شائع بين ربات البيوت على وجه الخصوص- بعد تلبيتها دعوة عشاء أقامتها جارتنا ام كرار، زوجة المدير العام بمناسبة عيد زواجهما الخمسين وهو الأمر الذي اضطرني مجدداً الى التبضع نيابة عنها، وقد أصابتني الدهشة، لان سعر كيلو اللحم قد وصل الى 14 ألف دينار، وقد اعتذرتُ لزوجتي (مع نفسي طبعاً) بعد اتهامي لها بالتبذير لكوني رفعت مصروف البيت الى 25 ألف دينار، منذ شمولي براتب الرعاية الاجتماعية!