{عليا وعصام}.. أخرجه فرنسي فخسر الريادة

الصفحة الاخيرة 2019/11/26
...

بغداد/ سها الشيخلي 

اختلف نقاد السينما العراقيَّة وصناعها على ريادة فيلم “عليا وعصام” (1948)، فبعضهم عدَّه الأول في تاريخها، بينما اعترض آخرون على ذلك متعللين بأنَّ مخرجه فرنسي ومصوره هندي، وقالوا إنَّ “فتنة وحسن” الذي أخرجه وأنتجه حيدر العمر ومثل فيه ياس علي الناصر ومديحة رشدي، هو الأول من ناحية كونه عراقياً صرفاً، وصار تاريخ عرضه في 20 حزيران عام 1955 عيداً للسينما العراقيَّة، لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ الأمور حُسِمَتْ، فظل الاختلاف قائماً وربما سيبقى كذلك مستقبلاً.

وعرض “عليا وعصام” (1949) في سينما (روكسي) وكانت كلفة إنتاجه (25) ألف دينار، وهو مبلغ كبيرٌ في ذلك الوقت، وتم اختيار المخرج الفرنسي اندريه شوتان لعدم وجود مخرجين مؤهلين وكذلك مصورين ومصممي إضاءة، فاستعانوا بالمصور الفرنسي جاك لامار، من هنا كان الاعتراض على تصنيف الفيلم بكونه الأول في تاريخ صناعة السينما في بلادنا، وعلى الرغم من أنَّ قصته مقتبسة من رواية شعريَّة غنائيَّة للأديب العراقي اليهودي أنور شاؤول، إلا أنَّ صياغة الحوار بلغة أقرب الى الفصحى وليس باللهجة العراقيَّة الدارجة، وهو اعتراضٌ في غير محله لأنَّ اللغة كانت بدويَّة، وهي تتسق مع أحداث القصة التي تدور حول نزاع بين قبيلتين بدويتين عراقيتين.
أنتجت الفيلم شركة بغداد للإنتاج السينمائي، التي تأسست في العام 1942، وهو باكورة إنتاجها الأول والأخير على أية حال، وكتب قصته شاؤول التي اقتبسها من مسرحيَّة (روميو وجوليت) لوليم شكسبير، خصوصاً بعد نجاح الفيلم المصري “عنتر وعبلة” الذي استمر عرضه في بغداد لمدة طويلة ولاقى نجاحاً كبيراً.
وجسد أدوار “عليا وعصام” نخبة من أشهر الممثلين العراقيين، أبرزهم: إبراهيم جلال (عصام ووالده الشيخ سعد)، وعزيمة توفيق (عليا)، وجعفر السعدي (الشيخ نايف) وفوزي محسن الأمين (الأمير جسام) وكان مهندس الصوت هو عبدالخالق السامرائي وتولى يحيى فائق وأكرم جبران مهمة مساعدي المخرج، وجسد يحيى فائق شخصيَّة (ذياب)، وقدم الممثل الكوميدي عبدالله العزاوي شخصيَّة مطشر، فيما توزعت الأدوار النسائيَّة بين أربع ممثلات أبرزهن سليمة مراد (نائلة) واعتدال يوسف، وأحلام إبراهيم، على الرغم من كون حقبة الأربعينيات لا تدعم مشاركة النساء في المحافل العامَّة.
 وتم إنشاء أول استوديو سينمائي عراقي باسم “استوديو بغداد” من قبل مجموعة تجار ورجال أعمال وطنيين في العام 1946، ما جعل حلم إنتاج فيلم عراقي متاحاً، لكنَّ المشكلة التي واجهت صناع السينما هي الحصول على مخرج عراقي يمتلك أدوات الحرفة, فاضطروا الى الاستعانة بمخرج فرنسي ومدير تصوير وماكير فرنسي أيضاً، فتعاقدوا مع المخرج اندريه شوتان، وكان هذا سبباً في عدم احتساب كل تلك الجهود المضنية ليكون الفيلم عراقياً، إذ لم يخطر في بال جميع الفنانين المشاركين فيه إنَّ جهدهم الريادي قد تمت إزاحته لصالح “فتنة وحسن”، والطريف إنَّ اندريه شوتان تقاضى أجراً مقداره ثلاثة آلاف دينار عراقي عن إخراجه الفيلم، وقد نجح “عليا وعصام” نجاحاً جماهيرياً كبيراً وحصد إيرادات كبيرة، ما شجع أصحاب الاستوديو على المبادرة بإنتاج أفلام أخرى، إلا أنَّ حسابات الحقل غير حسابات البيدر، إذ لم تحظ الأفلام التي أنتجت بالنجاح المنشود، منها: عمل مشترك بين مصر والعراق بعنوان “ليلى في العراق” للمخرج المصري أحمد كامل مرسي، فضلاً عن فيلمين تركيين لم ينالا نجاحاً يذكر.