الفيلموسوفي.. السينما تؤفلم معتقداتنا

الصفحة الاخيرة 2019/11/26
...

علي حمود الحسن
السينما ليست الواقع وإنْ اقتربت منه، ربما هي إعادة تكوينه أو خلقه وأحياناً تغييره “بشكلٍ كامل”، مثلما يعتقد الكثير من المنظرين، فمن وجهة نظرهم تقتربُ السينما من العقل بقدر ابتعادها عن الواقع، وهذا بالضبط ما قصده الفيلسوف وعالم النفس الألماني هوجو مونستربيرج بقوله: “علينا مشاهدة السينما بوصفها إبداعاً تخيلياً خاصاً”، وهذا يعني – من وجهة نظره - أنَّ علم السينما مصنوعٌ بشكل تعسفي له مكانٌ ليس كالواقعي، فهو ذو بعدين، ومحددٌ بإطار، ثمة من يختار أحداثه وينتقيها بشكل واعٍ، هذه الغلالة بين الواقع والمتخيل، هو ما يجعل متعة المشاهدة مسوغة ومقبولة، فالناس تشاهدُ الأفلام لتتسامى على واقعها، باتجاه آخر تجدُ فيه ما تصبو إليه وتتماهى معه، ولو الى حين- زمن الفيلم القياسي 120 دقيقة - فتخرج الجماهير من دور العرض متسرنمة لا تريد أنْ تفيق من عالمها
السحري.
هذه المفاهيم بجملتها تشكل جوهر السينما نظرياً، وتنطبقُ على أفلام هوليوود على مدار قرن وأزيد، وكذلك بوليوود، لكنَّ تأثيره في الأخيرة أكبر، إذ تحولت مشاهدة الأفلام الهنديَّة الى حاجة اجتماعيَّة، تجدُ فيها الطبقات الاجتماعيَّة المسحوقة عوضاً حلمياً عن بؤسها اليومي، وقد نراها مبالغة أنْ يستمر عرض فيلم في إحدى سينمات بومباي ربع قرن من الزمان، بحيث تمتلئ الصالة بالمتفرجين على مدار كل هذه السنوات الطوال، وحين يقرر صاحب السينما تبديل الفيلم – من باب التغيير – يغضب الجمهور ويهتاج ويخرج بتظاهرات مطالباً باستئناف عرضه، فيضطر الى إيقاف عرض الفيلم الجديد واستبداله بالقديم استجابة 
لرغباتهم.
وهذا يحيلنا الى نظريَّة جديدة في السينما “تساعدنا في فهم الطرق التي تؤثر بها فينا وتنقل معانيها” سمَّاها دانييل فرامبتون “الفيلموسوفي”، الذي يعني في ما يعنيه: “دراسة السينما كتفكير”، هذا التفكير ينطوي على “كينونة سينمائيَّة” بمفهوم الحضور الهايدغري، وعلى شكلٍ وعقلٍ سينمائيين، فالعقل السينمائي هو أنَّ “مجمل الفيلم مقصودٌ ومتعمدٌ” والتفكير السينمائي يربط الشكل والمضمون بحيث يصبح الأسلوب جزءاً من بنية الحدث، فدائماً ثمة عالمُ الأشياء والشخصيات التي يمكن أنْ نشكلها ونتلاعب بها وفق رؤيتنا، وإذا ما وظفنا عقلنا السينمائي سنرى أنَّه يسمح للمشاهد بالتماهي مع أحداث الفيلم بوصفها “دراما تنبعُ من ذاتها”، وبذا يمكن القول إنَّ (الفيلموسوفي) راهناً توظف التقنيات الرقميَّة والرؤية السينمائيَّة والتجريب وأفلام الفن كوسيلة لتغيير زاوية إدراكنا للعالم.
وخلص فراميتون صاحب كتاب “الفيلموسوفي.. نحو فلسفة للسينما” الذي قدمنا من خلاله إضاءة لمصطلح فيلموسوفي الى أنَّ “السينما هي البداية، وهي المستقبل لفكرنا”، وإذ كانت نهاية الفلسفة وشيكة فإنَّ السينما يمكن أنْ “تؤفلم 
معتقداتنا”.