سامر المشعل
في مطلع التسعينيات من القرن الماضي فاجأ الساهر الجمهور العراقي والعربي، بأغنية « لا ياصديقي » وهي أغنية طويلة تبلغ مدتها « 47 } دقيقة، في زمن أصبحت فيه الاغنية قصيرة لا تتجاوز « 3 - 5» دقائق، بعد أن دخلت الاغنية بورصة السوق التجارية، وأصبحت خاضعة لاشتراطات المنتجين، جاءت “ لا ياصديقي “ مغايرة لتوجهات السوق
والغناء الدارج.
اراد الساهر عبر هذه الاغنية أن يوجه رسائل متعددة الى الجمهور والى الذوق العام والى منتقديه، الذين عدوا غناءه اساءة للذوق العام، من خلال الاغاني الشعبية التي قدمها ومنها أغنية {عبرت الشط } و { التلدغه الحيه بيده} و { غزال } وغيرها.
فقدم أغنية طويلة باللهجة العامية التي تقترب وتتماهى في كثير من مقاطعها مع الفصحى، وهي من كلمات الشاعر عزيز الرسام.
اظهر الساهر في أغنية “ لا يا صديقي “ نضجاً موسيقياً وتلحينياً وادائياً مثيراً للدهشة والاعجاب، من خلال المقدمات الموسيقية المتزنة والممهدة للاغنية والانتقالات المقامية بين المقاطع بسلاسة واحتراف مع التنويعات الايقاعية وتوظيف الكورس مع الغناء بشكل جمالي متقن، وكل مقطع كان يمثل لحناً بحد ذاته يتواشج مع انثيالات المعنى الموجود في
بنية النص.
كشف الساهر بهذه الاغنية عن ملكة تلحينية لا تتوافر، الا عند كبار الموسيقيين والملحنين وطريقة اداء تتسم بتعبيرية عالية واحساس بالجملة الموسيقية والمفردة على نحو تفرد به الساهر دون سواه من اقرانه.
شكلت أغنية { لا يا صديقي } عملاً ابداعياً متكاملاً من حيث الكلام واللحن والاداء والتوزيع الموسيقي، وكشفت قدرات الساهر كمبدع مسك بذائقة المستمع على مدى 47 دقيقة دون ملل، انما بالتذاذ طربي. وبذلك استطاع الساهر أن يأتي بعمل فني مغاير للموجة السائدة، معيداً للاذهان أغاني وقصائد الزمن الجميل بأصوات كبار المطربين والمطربات أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ وليلى مراد ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية..
وغيرهم.
في أغنية { لا يا صديقي} حجز الساهر مقعده بين كبار المطربين، سجل الاغنية في مصر، ورغم ظروف الحرب التي ظهرت بها الاغنية في العام 1990 اذ كان شبح الحرب مخيماً على الاجواء العراقية والعربية بسبب حرب الخليج الثانية، الا انها استطاعت أن تصل الى الجمهور العربي الذي تحسس
جماليتها.