علي حمود الحسن
لا أحد يضاهي كوينتن تارنتينو من المخرجين العالميين في أسلوبه، فهو متفرد وجريء وغير خاضع للقواعد الكلاسيكية في السينما، وغالبا ما يكتب حوارات أفلامه بنفسه بطريقة مبتكرة
، وإن كانت طويلة، وهو لا يجعل من تواتر القصة أولوية له، أبطاله مأزومون ومغتربون، يصنع مصائرهم وفق مزاجه التهكمي، اذ يعمل دائما على كسر حدة تماهي المشاهدين مع افعالهم، ولذا تراه يبحث عن ممثلين وصناع أفلام يعرفهم جيدا ويعرفونه
، فعلى مدار مسيرته الفنية أخرج ثمانية أفلام، اخرها “ حدث ذات مرة في هوليوود” المنتج في العام 2019، الذي هو تحية لصناع السينما في زمن هوليوود الجميل
، وبالذات لمخرجين وممثلين أحبهم تارنتينو وعشق افلامهم، على شاكلة المخرج والسيناريست الإيطالي سيرجو ليوني، اذ خصه بعنوان عمله الجديد، الذي يشير الى أشهر فيلمين لصانع روائع الويسترن، هما: “حدث ذات مرة في اميركا”(1984)، و”حدث ذات مرة في الغرب”(1968)، كذلك أعاد الى الاذهان مقتل الممثلة الأميركية شارون تيت زوجة مخرجه المفضل رومان بولا نسكي، الذي انعطف بمسيرة هوليوود بانتهاج أسلوب ومعالجات تختلف عن سياقاتها الإنتاجية، و” حدث ذات مرة في هوليوود” من تمثيل براد بيت (بوث كليف)، وليوناردو دي كابريو(ريك دانتون)، ومارغو روبي(شارون
تيت) .
يخلط تارنتينو – كعادته - الواقع بالخيال في بناء قصه البصري، فهو يعتمد حكاية ممثل الكابوي المشهور أريك دانتون، الذي يتوجس من غروب نجمه وبديله(دوبلير) في المشاهد الخطرة (بوث كليف) الوسيم والقوي والمحمل بعبء قتل زوجته
، لكنه أكثر تشبثا بالحياة من رفيقه الذي يحاول ان يحصل على أي دور سينمائي حتى لو كان ثانويا في زمن الكساد، هذان الصديقان اللذان لا يفترقان يجاور منزليهما بيت رومان بولانسكي (رافيل زاويريجا) الباذخ و الضاج بوجود تيت المرحة، لينتهي الامر بمجزرة رهيبة أدت الى قتل شارون تيت الحامل وستة من اصدقائها، نفذها اتباع السفاح تشارلز مانسون ( عائلة منسون)
الهيبز.
لا يختلف “ حدث ذات مرة في هوليوود” عن أفلام تارنتينو السابقة على قلتها، لاسيما فيلمه الأخير” الثمانية المكروهون”، فدائما ثيمة العنف والسرد المتداخل وابطال قلقون
، مازجا بين حنين جارف لزمن مضى وإعادة صياغته(الزمن) وفقا لما يتمناه، اليس “السينما عملية خلق أخرى”، كل هذا جسده تارنتينو بمسحة كوميدية ساخرة
، متكئا كما في معظم أفلامه - وهي قليلة على اي حال - على ممثلين منتخبين خبرهم تارنتينو، فثمة دي كاريو الذي قدم أداء مركبا وبراد بيت بحضوره المهيمن
، الى حد انه خطف الأضواء من دي كابريو، وعلى قصر دور آل باتشينو، الا انه كان مؤثرا وطاغيا، وقد تبدو فرصة طيبة أن يظهر النجمان بيت ودي كابريو برفقة المخضرم ال باتشينو في مشهد بدا مكتملا ومؤثرا.
ميزة تارنتينو، بل عبقريته تكمن في قدرته على صناعة مشاهد مكتملة فنيا، فالمشهد هو موتيف في بناء سردي محتدم بلا نسق لكنه دائما تحت سيطرة صانع
أمهر.