عبد الجبار العتابي
بين الفنان الراحل فؤاد سالم (1945 - 2013 ) وابنته الفنانة نغم علاقة تجسدت في ما غناه لها وهو في عوالم الغربة خاصة وهي اكبر ابنائه، فسمعنا منه شجنه وحنينه وهو يزج اسمها في اغنية تراثية قديمة في اوائل غربته، فيخاطبها (بوية نغم يا بويه / الغربة طالت يا نغم يا بويه)
التي حفظها الناس وشعروا بمقدار الالم الذي يعتمل في نفسه لفراق صغيرته التي تعيش في بغداد مع والدتها الفنانة الراحلة مي جمال، او تلك الاغنية الصريحة التي يبث فيها مشاعره وعذاباته (مبعد تراني يا نغم ويلي بويه) وقوله (غصبن علي تدرين/مبعد تراني يا البنت / ويلي يا ماخذة القلب مني ويل ويلي/ والله ويمر ذكراج صبح ومسيه يا نغم/ ويلي شكثر حسبات يطرن عليه يا نغم ويلي بويه/ يا بنيتي لا تعتبين/ دهري رماني يا نغم ويلي ويلي/ دمي ودموع العين ساجيت عودج يا نغم ويلي بويه/ وشيب الطلع بالراس كله علمودج يا نغم ويلي بويه)، وهذه العلاقة بينهما قام عليها فراق امتد الى اكثر من
24 سنة .
نغم تعيش مستقرة في بغداد بينما فؤاد سالم يعيش مشتتاً في المنافي، لكن هذا الفراق القسري المرير تكلل بلقاء في البصرة العام 2003 ، كان اللقاء تراجيدياً انتهى برفض فؤاد سالم ان يلبي طلب ابنته بغناء اغنية (ردي.. ردي) !!. في لقاء جمعني ،حينها، بالفنانة نغم حاولت ان اعرف منها اسرار اللقاء مع ابيها بعد سنوات الفراق، فأكدت انها ذهبت الى البصرة وهي بين مصدقة ومكذبة، وحين وصلت الى بيت عمها كان قلبها ينبض بشدة، وصلت اول الليل، وما ان دخلت حتى وجدت رجلاً يرتدي (دشداشة) ويضع على رأسه (عقالاً)، ظهر مع الذين ظهروا لاستقبالها، وسرعان ما وقفت متسمرة في مكانها وجهاً لوجه امامه وقد عرفها وعرفته، وقبل ان تتكلم او تفك عقدة لسانها جاءتها منه كلمة (بابا)، لكن ردة فعلها على هذه الكلمة كانت ضحكة ومن ثم أغمي عليها!!، لم تعرف أمد الاغماءة، لكنها حينما استفاقت وجدت نفسها في حالة هستيرية وهي متعلقة بملابسه وحاضنة له بقوة وتصرخ بكلمات لا تعيها، وحينما استفاقت ،وكان الوقت بعد منتصف الليل، وجدته يبكي فلم تفعل سوى ان تقبل اصابعه اصبعاً اصبعاً ، فيما كان كل من في الدار تلك يبكي على تلك المشاهد التراجيدية بين الاب وابنته البكر !!.
وتواصل اللقاء بينهما خمسة ايام بلياليها . الطريف في اللقاء الذي كان ذروة في العاطفة انها طلبت منه عدة طلبات وسألته عدة اسئلة، منها : ان يضربها !!،
وهو ما اثار استغراب فؤاد سالم فضحك لهذا الطلب، وحين الحت عليه نغم مرر يده على خدها، وحتى انا حين استغربت الطلب هذا قالت انها تريد ان تعرف قسوته وقد كان يغمرها بالحنان حتى في حديثهما عبر الهاتف، وكما طلبت منه ان يغني لها اغنية (ردي .. ردي) لغاية في نفسها ، لكنه رفض ان يغنيها، مشاكسة لها كما قالت، او ربما لانها ستشعل في نفسه ذكريات قديمة، لا سيما ان الاغنية مفعمة بالمشاعر، لكن نغم وجدت الكثير من الاسئلة تتفجر من قلبها، اسئلة مخبأة من سنوات، فأجاب عنها الا واحداً كاد ينفجر وسط الحضور ،سألته اياه بعينيها فكان جوابه بعينيه ايضاً ، تحاورا بالعيون وقد فهم فؤاد سالم السؤال، مثلما فهمت نغم منه الجواب، كان السؤال شخصياً جداً ، لذلك لم تذكره لي لكن نغم اوضحت لي ان السؤال موجود في اغنية (لا تجينه) !!، التي كتب كلماتها الراحل عريان السيد خلف (1940 - 2018) ويقول مطلعها: (لا تجينه .. لاتجينه .. جان كَلت ابوجه الابيض غير معشركم لكَينه جينه مشتاكَين .. وبلهفة .. او تسد بابك علينه) !!