(20-20)

الصفحة الاخيرة 2019/12/29
...

حسن العاني 
يا سيدي .. إحرق (عشرين) شمعة ثم اغلق ابواب الحزن وقل لأيام الضيم والقهر وداعاً، واوقدْ للفرح (عشرين – عشرين) شمعة، إنه عيد ميلادك الاحب يا وطني... وإن كنتَ كما أخبرنا الكهان ومدمنو السلالات من مواليد (الاربعين – اربعين) بل (الخمسين – خمسين)، بل .. يا ايها الذي ابتكر التاريخ، وإكراماً لعينيه وُلِدَ التاريخ، يا ايها السابق زمانه، الذي يوم كانت البشرية تحبو وتنام على غصن او تحت ظل شجرة او بطن كهف.. كنتَ تطرز الكون بآيات حروفك المسمارية وهيبة زقوراتك وجلال آلهتك، وكنتَ تلقي محاضراتك العلمية على أهل الفن، كيف يكون الفن والرسم والنحت والرمز والثور المجنح، وكنتَ والعالم يعيش حياة المغارة والصيد ومنطق الغابة، تسن القوانين وترفع المسلة وتضع حجر الاساس لرياض الاطفال ومدارس الصبيان، وتبني ناطحات الجنائن ومعجزات الري، وتخترع القيثارة والعربة والسدود واصول التجارة..
ايها الاحب يا وطني وأنتَ تستقبل العشرين عشرين، تحكي لنا حكاية تثير المشاعر وتطرب النفوس، فبعد كل الف، وبعد كل قرن، وبرغم العاديات والعوادي والعجاف تزداد نضارة، وتستعيد شبابكَ مع كل الذي والذي لو اصاب غيرك، لأغلق الباب من دونه حتى يندثر ويغفله التاريخ.. تتعافى وتنهض مرفوع الرأس والهمّة، وكأنها كبوة عابرة او حبات تراب علقت في ثوبك، تنفضها وتواصل المسيرة، وقبل غيرك أنت تدري كم ارادوا النيل منك، كم طمعوا في زرعك وضرعك ومياهك، وما يخفيه باطن ارضك من نعيم.. ما بقي مكان في ذاكرتك لمزيد من كيدهم وأنت شامخ كباسقات النخيل والجوز من شمالك الى بصرتك، تظلل اهلك وتحمي عرضهم، وعلى صدرك (تكسرت النصال على النصال)، وفوق ارضك – وكأن لا ارض غيرها – تنافس العثمانيون والفرس والخراف البيض والسود والبريطانيون والاميركان والسياسيون والادعياء من كل حدب وصوب، غير ان احداً منهم ما اخلص لك ولا احبكَ، ولم يرَ فيك الا اللقمة التي يودُّ قبل غيره أنْ ينهشها، لكن عظمك فولاذ ولحمك حنظل، وعزمك يقودك منذ ستة آلاف ويزيد الى عبور الازمة تلو الازمة، والمحنة تلو المحنة، وأنت معافى (ووجهك وضاح وثغركَ باسم).. لا ضير ولا بأس عليك، جرح في الذراع مرة، وجراح في الساق او الحاجب او الظهر، لا تلبث ان تندمل، غير ان احداً ما قَدِرَ على ثلم روحك..
ايها الاحب يا وطني، كبيراً كنتَ في نظر نفسك ونظر الاخرين يوم ولادتك، وكبرتَ في نظر نفسك ونظر الاخرين بعد ستة آلاف ويزيد، والذين ارادوا بالامس وقبل الامس ذبحك من الوريد الى الوريد فخاب ظنهم، عادوا باسماء جديدة ووجوه جديدة وخطاب جديد، وقد فاتهم ان عظمكَ ازداد صلابةً ولحمك بات اشد مرارة، وشعبك الذي راهنوا على شرذمته امسى اعظم تماسكاً، كلما احس بالخطر لملم صفوفه وتوحد حتى لا فرصة لحاقد ولا منفذ لدخيل او طامع.. ايها الاحب يا وطني.. أوقد للعشرين بعد العشرين شموع النصر ونم في قلوبنا قرير العين ونحن ننشد لك.. منصورة يا بغداد.. منصورة يا ذي قار .. منصور .. منصور.. منصور يا وطني..