أساليب الاحتلال

الصفحة الاخيرة 2020/01/01
...

حسن العاني 
منذ عقد من السنين تعلقت بالاستاذ الدكتور فهمي الجابري وذلك عبر متابعاتي لمحاضراته التي يلقيها هنا وهناك، وقد تنبهتُ في وقت مبكر الى أن الرجل يتمتع بجملة خصال جعلتْ طلبته في الجامعة يمكن ان يتخلفوا عن اي محاضرة، مفضلين عليها جلسات ودية في (نادي الكلية)، حيث المشروبات الباردة والساخنة والمعجنات والاحاديث الظريفة والضحك المتواصل وكأنهم يقلدون بعض اعضاء البرلمان الذين يفضلون جلسات الكافتيريا على جلسات العمل والنظر في هموم الشعب الذي انتخبهم.. أقول طلبة الجامعة يمكن ان يتخلفوا عن اي محاضرة الا محاضرات الجابري، فقد كان الرجل غني المعلومات غزير المعرفة، لا تجد في كلامه جملة انشائية واحدة، أو جملة فيها غموض او تركيب معقد، بل هي من الفصيح السلس، وهو في ذلك كله محايد في طروحاته، غير متعصب لرأيه، ويشجع طلبته على مخالفته وعلى الحوار والنقاش وطرح الاسئلة على أن تكون هذه الفعاليات جميعها في اطار موضوعي وعلمي، وليس بقصد التباهي، ومن هنا كان (درسه) شعلة من التوهج والنشاط والحب الابوي المتبادل.
تلك هي اسباب تعلقي بالجابري الذي كنت أتابع محاضراته من قاعة الى قاعة، ومن محافظة الى محافظة، ولعل محاضرته الموسومة (اساليب الاحتلال) واحدة من الشواهد التي جسدت شخصيته بأعلى صور العلم والتربية والديمقراطية... فعبر مقدمة استهلالية لمحاضرته التي القاها قبل اربعة اشهر تقريباً في محافظة المثنى، تناول شتى وسائل الاحتلال التي ابتدعتها البشرية منذ بداية تأسيس دولها ثم قيام امبراطورياتها، وذكر نماذج واقعية لم نسمع بها من قبل.. وعلى الرغم من انها وسائل بدائية ولكنها تمثل جزءاً من طبيعة الاطماع التي تحكم هذه الدولة او تلك الامبراطورية حيثما (إعتقدتْ) إنها تمتلك من النفوذ والقوة ما يؤهلها لغرض احتلالها بغض النظر عن الاسباب، سياسية كانت او دينية او مذهبية او اقتصادية او عسكرية.
كان من الطبيعي على حد تعبيره ان تتطور تلك الوسائل بمرور الزمن، واستشهد بتجارب لا تبعد كثيراً، فقد حاول قادة الاحتلال الفرنسي، وفي مقدمتهم نابليون تمرير اساليبهم في محاولة لخداع الشعب المصري واسترضائه وايهامه بأنهم شديدو الاحترام لاهل البلاد وللديانة الاسلامية، ولذلك عمد نابليون الى ارتداء الزي (الازهري) في اشارة واضحة الدلالة، ولكنها مكشوفة ولم تنطلِ على أحد... الانجليز كما اشار الجابري نموذج اخر تبنى اسلوب الزي (العربي) واتخذ من "الوعود" وسيلة، اما الحركة الصهيونية فكانت ابعد نظراً من اسلافها (في هذه الاثناء بدأت افقد التركيز الى حد ما، لان المستمعة التي تجلس الى جانبي بأعوامها الخمسين، بادلتني ابتسامة ناعمة) حيث كانت وسيلتهم شراء بيوت الفقراء والمحتاجين من الشعب الفلسطيني باضعاف اضعاف سعرها، وقد وفر ذلك لاسرائيل على حد قوله موطئ قدم واسعاً افادت منه لاحقاً (تبادلنا ابتسامة اخرى اكثر رقة شجعتني لدعوتها الى تناول العشاء في مطعم مقابل الكورنيش وبينما كنا ننهض للمغادرة قال الجابري (في العراق يجري منذ مدة شيء قريب من هذا، فهناك طمع خارجي للتمدد في العراق تمهيداً لاحتلاله، يتمثل في ...) مع الاسف اصبحتُ خارج القاعة ولم استطع سماع بقية العبارة حتى النهاية التي ظلت مجهولة...