حسن العاني
بعد حوارات متواصلة على مدى شهر كامل، استقر رأي الاسرة واتخذتْ قرارها النهائي، وهكذا بعتُ مكتبتي وذهب زوجتي و(الزولية) وغرفة الضيوف واشتريت قطعة ارض سكنية مساحتها (75) متراً بمبلغ (35) مليون دينار... كنت احلم منذ زمن بعيد ان امتلك بيتاً يخلصني من لغاوي الايجار، ومع بساطة هذا الحلم غير انه كان اقرب الى المستحيل، فمن اين يتأتى لعراقي مثلي تشييد منزل بعشرات الملايين، اذا لم يكن دخله الشهري كبيراً، وحظي السيئ لم يهيئ لي مثل هذه الفرص، فلا احد طلبني للعمل بصفة جاسوس لموريتانيا مثلاً، ولا طبيعة مهنتي فيها منفذ للرشوة او المقاولات او الفساد المالي، اما اسرتي فتعدُّ على المستوى التاريخي من الاسر المؤسسة لمنظمة فقراء بلا حدود!! وهكذا ظلت احلامي معلقة وارضي مركونة على امل ان أكسب في يوم من الايام ورقة يا نصيب، أو يشتري مرشح للانتخابات صوتي واصوات عشيرتي أو يبتسم لي الحظ واعمل حارساً ليلياً في المنطقة الخضراء... ولم يتحقق شيء من هذه الآمال المستحيلة!!
قبل (6) اشهر تقريباً اتصل بي احد الدلالين وسألني ان كنت ارغب ببيع ارضي، فهناك شخص يريد شراءها، وهو مستعد لدفع (65) مليون دينار (بالطبع اوقف هذا الرقم دورتي الدموية) ولكنني انصحكَ لوجه الله، ولأنك جاري وابن محلتي، أن لا تبيعها بهذا السعر، لكونها تقع على شارع تجاري، اتوقع له مستقبلاً زاهراً، وتستحق ما بين ثمانين الى (86) مليون دينار، ولو انتظرتَ سنة واحدة فقط، فالسعر يمكن ان يصل الى (120) مليون دينار..
حدث ما هو طبيعي ومتوقع، حيث تلكأتُ وتلعثمت و(تخربطت) احوالي وكاد يغمى عليّ، بل أغمي عليّ فعلاً لبضع دقائق، لان مثل هذه الارقام اكبر من قدرتي على الاستيعاب، وغريبة على روحي وعقلي وذاكرتي، مع إنها لا تعادل اجور ايفاد رسمي لأي رأس كبير في موقع المسؤولية من بغداد الى بيروت لمدة ثلاثة ايام!!
بعد ان استعدتُ وعيي، شكرت الدلال كثيراً ووعدته بكيلو بقلاوة من النوع الفاخر اذا نجح في بيع الارض، ولا أدري لماذا ضحك الرجل بأعلى صوته حتى دمعت عيناه وقال لي (حلو مزاحك استاذ ابو عمار.. أول مرة أعرف إنت تخبّل ودمك خفيف).. من باب المجاملة واللياقة شاركته الضحك وانا لا اعرف حقاً- حتى كتابة هذه المقالة – ما الذي اضحك الرجل، وهل دمي خفيف فعلاً كما وصفني؟!
لم يمضِ اكثر من اسبوعين حتى التقينا بالمشتري وتم الاتفاق معه على مبلغ (92) مليون دينار، ومثل هذا المبلغ كفيل بالقضاء على رغباتي الدفينة في التجسس والرشوة، مثلما هو كفيل بتحويلي من عميل الى وطني بامتياز... قضية صغيرة حالت من دون عملية البيع فقد استغل احد الاشخاص ارضي وبنى فوقها بيتاً بسيطاً من الطين، ويرفض ترك المكان الا بعد تعويضه مبلغاً قدره (94) مليون دينار، وقد تحدثتُ أنا والدلال والخيرون بالحسنى معه ولكن من دون
جدوى.