بأي معيار من معايير العمل الاداري، واي مقياس من مقاييس الحكم، فان خمسَ عشرة سنة من تولي السلطة، كانت كفيلة بانجاز نوع من الاعراف الثابتة، صحيح إن الظروف الصعبة، بل الاستثنائية التي مرّ بها العراق، وضعت امام السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما لا يحصى ولا يعد من العراقيل والمعوقات كالاحتلال والطائفية وقلة الخبرات، خاصة الادارية، والانتقال السريع المفاجئ، من أقصى التطرف الدكتاتوري، الى اقصى الفوضى الديمقراطية... ولكن من الصحيح كذلك، ان عقداً ونصف العقد في العمل الاداري والسياسي، ليس زمناً قصيراً، اذا ما علمنا كذلك بانه زمن غني بالاحداث والتجارب والمواجهات التي –يفترض- بأنها اسهمت الى حد كبير في انضاج الوعي وتخطي الصعاب..
قد لا يعنيني، وربما لا يعني أحداً من الشعب، أمرُ الحكومة المقبلة، ما هي ومن هي وكيف تكون، حكومة توافق او شراكة او اغلبية، بقدر ما يعنينا جميعاً ان تتسم بالعدل والحزم والكفاءة والارتقاء بالعراق شعباً وانجازاً وسمعة الى المكانة التي تليق به وبأهله وتاريخه.. وأمنياتنا الطيبة هذه، لا تمنع بالتأكيد من تذكير اولياء امورنا، أو الحكومة الجديدة على وجه الدقة بأنها مطالبة بوضع قوانين عمل واضحة، وتأسيس اعراف وتقاليد يتم التقيد بها، لأن مثل هذه الاعراف لا تمتلك قوة القانون فقط، إنما هي من الناحية المعنوية والاعتبارية وحتى العملية اشد تأثيراً من القوانين نفسها.. وإذا كان من الصعب- امام فسحة النشر المحدودة- الخوض في التفاصيل، فمن السهولة بمكان، الاستعانة (على سبيل المثال) بتقليد اداري يتعلق بكيفية التعامل مع السادة المسؤولين الذين سيغادرون مواقعهم الوظيفية بعد تشكيل الحكومة المقبلة، فاسحين المجال للوجوه الجديدة، على وفق المبادئ الديمقراطية والاستحقاقات الانتخابية، فان التقليد الذي نأمل الاخذ به في هذه المرة، ويمكن أن يصبح عرفاً للمستقبل، يقوم على 3 أنواع من الصيغ، الاول: إن الوزير الفلاني مثلاً أدى مهمته كما يجب، وغادر موقعه نظيف اليد والسمعة، وفي هذه الحالة يقضي العرف ان نودعه بكلمات شكر وعبارات مجاملة لطيفة... الثاني: إن الوزير الفلاني لم يكتفِ بأداء مهمته كما ينبغي فقط، بل كان وزيراً مبدعاً، واستطاع ان يضيف ويطوّر ويفعّل عمل وزارته، ويضرب المثل الاعلى امام منتسبيه حرصاً واخلاصاً ونزاهة، وبالتالي لا يجوز توديعه بالشكر وحفلة شاي ومجاملة تقليدية، وانما بادامة الصلة معه، والافادة من تجربته وخبرته، وتكريمه مادياً ومعنوياً لانه ثروة مهنية لا يصح التفريط بها، ولو جاء اليوم الذي نتحرر فيه من منغصات المحاصصة المقيتة، لدعوت الى ابقائه في موقعه، الثالث: إن الوزير الفلاني كان وراء التراجع الكبير في اداء وزارته، وتسيّب العاملين فيها، وتفشي المحسوبية على حساب الكفاءة، ومن الانصاف في هذه الحالة محاسبته حساباً عسيراً، وأن لا يغادر كرسي الوزارة الى كرسي التقاعد، لكي يتقاضى ملايين الدنانير مكافأة على تقصيره (مع إن الصواب هو محاسبته في وقت مبكر من ظهور التقصير)، ولو عمدنا الى هذا العرف الاداري لما سمعنا عن شيء اسمه الفساد، سواء كان مالياً او ادارياً او اخلاقياً، ام كان
فساد معدة!!