علي حمود الحسن
السينما من دون الفنون، هي الأكثر التصاقاً بالواقع وتفاعلاً معه، ربما بسبب جذرها الفوتوغرافي، والفوتوغراف في جوهره "توثيق اللحظة الهاربة"، ولأنَّ عامنا الذي ودعناه عامٌ محتدمٌ ومنقسمٌ وضاجٌّ بالتناقضات، فإنّ السينما عكست كل هذا وعبرت عنه من خلال أفلام معظمها تنتجها شركات ورأسمال معولم والقليل منها
مستقلة.
لا تختلف السينما العراقية 2019 عن السنوات السابقة، إذ ما زالت تراوح في مكانها؛ فإنتاجها محدودٌ وتعتمدُ على المبادرات الفرديَّة، وتسيّدت الأفلام القصيرة ذات الميزانيات الصغيرة المشهد، وما زالت عيون صناعها الشباب تتطلع الى عرض أفلامها في المهرجانات العربيَّة والمحليَّة، ولهم الحق في ذلك، فليس ثمة دور عرض، أو تقاليد مشاهدة، باستثناء جمهور سينمات الموال، المرتبط أساساً بالثقافة الرقميَّة، والذي لا يستهويه هذا النوع من الأفلام، فهو يفضل أفلام الفنتازيا والخيال العلمي والخوارق، وشهد عامنا المنصرم أكثر من مهرجان يقاوم التلاشي، إذ نجح "ثلاث دقائق في ثلاثة أيام" بتقديم أفلامٍ عراقيَّة قصيرة جداً لمخرجين بعضهم محترفون وآخرون واعدون، فضلاً عن عرضه أفلاماً عالميَّة ذات أساليب مختلفة، وكعادته ضخ مهرجان كلية الفنون صنّاع سينما شباباً قدموا أفلاماً متنوعة الأساليب والأفكار وذات مستوى فني
متقدم.
وحققت أفلامٌ عراقيَّة حضوراً جيداً هذا العام في مهرجانات عربيَّة وعالميَّة، على الرغم من قلّتها، لكنّها رفعت اسم العراق في محافل سينمائيَّة عالميَّة وعربيَّة، آخرها فوز "شارع حيفا" للمخرج مهند حيال بجائزة (سعد الدين وهبة) لأفضل فيلم وأفضل ممثل لعلي ثامر عن الفيلم ذاته، وخصّت لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي المخرج العراقي المغترب في إيطاليا حيدر رشيد بجائزتها الكبرى والبالغة خمسين ألف دولار عن فيلمه "أوربا"، فضلاً عن الاستقبال الحافل لفيلم المخرج العراقي المغترب سمير "بغداد في خيالي" الذي يتحدث كما باقي أفلام سمير جمال الدين عن موضوعته الأثيرة، (العراقيون في
الشتات).
ولأنّ السينما هي الحياة فقد نظم المتظاهرون السلميون في ساحة التحرير خيمة سينمائيَّة أطلقوا عليها "سينما الثورة" ونظموا عروضاً في الهواء الطلق على شاطئ دجلة الساحر، في سابقة افتقدها البغداديون منذ عشرات السنين، وقد جذبت العروض جمهور ساحة التحرير من الشباب المنتفضين وغيرهم، كذلك نظموا ورشاً وندوات تخصّ الفن السابع، وشاهد جمهور التحرير أفلاماً قصيرة على مدى الأيام السابقة، منها: "ميسي بغداد" لسهيم عمر، و"حسن في بلاد العجائب" لعلي كريم، و"جاري الاتصال" لبهاء الكاظمي، و"تجريد الله" لكرار موسى، و"أكتيو" لعلي نعمة، و"ساحة التحرير" لحسام ناظم، و"أحلام تحت الأنقاض" لمحمد خليل، و"الكرادة" للباقر جعفر، و"الرسالة الأخيرة" لملاك عبد علي، و"الساعة الخامسة" لأيمن الشطري، وغيرها الكثير.
وأهدى الفائزون العراقيون في مهرجان القاهرة السينمائي 41، جوائزهم الى أرواح الشهداء متضامنين مع الشباب المعتصمين في ساحة التحرير وسط بغداد، وبذا أثبت صنّاع السينما الشباب، أنّ أفلامهم هي وسيلتهم لبناء وطن لم يتعافَ بعد.