من يحكم العالم؟

آراء 2020/01/22
...

حسين الذكر
سالت أحدهم؛ كان نائبا وحزبيا وأستاذا جامعيا جمعتني به صداقة في سنوات ما قبل 2003، بعد أن أُحيل الى التقاعد، فقلت له سؤالا محددا: من يحكم ويتحكم بالعالم؟ فقال على وجه السرعة: (انه الخط الثاني)!  لكوني غير ضليع بالسياسة والحزبية والعمل السري والأمني في مؤسسات الدولة الصغرى منها والعليا، لم أفهم ما قصده. 
قلت له: ومن هم الخط الثاني؟ فقال: (هم رجال في السلطة ليسوا من أصحاب المناصب القيادية العليا من قبيل رئيس أو ملك أو ولي عهد أو رئيس وزراء، وهم أقرب إلى الظل منهم إلى العلن. لكنهم الأكثر اتصالا بالملفات المهمة ولهم شبكة واسعة من العلاقات الدولية – هنا لبّ القصيد – بمعنى أنهم يمتلكون القدرة على التعاطي مع الملفات المطروحة في بلدهم بصورة تنسجم مع القوى العالمية والأطراف الدولية مما يوفر لهم كمّا هائلا من المعلومات والدعم والحامية غير المعلنة، إذ دائما ما يتدخلون على شكل إبداء المشورة التي تتحول الى قناعات قيادية يكون لها أثر كبير في حسم الملفات الأكثر خطورة ومسّاً بالأمن القومي لبلدانهم. في بعض الدول الإقليمية والعربية التي شهدت تغيرات ظاهرها كبرى وباطنها شكلي يستهدف الرأس من دون الجسد. هناك يظهر رجالات الخط الثاني بشكل أوضح بعد التغييرات، و لما كان بعضهم يمتلك المعلومات الأهم والخيوط الأقدر والأخطر عليه أن يغادر موقعه بهدوء تام على شكل موت مفاجئ يبدو طبيعيا من خلال وسائل الإعلام ولا يثير الشكوك، كي تبدأ صناعة أدوات أحدث تنسجم مع الواقع الجديد في التبني والطرح والمقبولة الدولية 
والمحلية. 
لو عدنا الى آخر تغيرات جرت خلال العقد الأخير، على الصعيد العربي القريب، سواء كانت باحتلال عسكري أو ثورة أو تمرد أو انقلاب أو تظاهرات شعبية، سنجد أن بعض الوجوه والرموز القوية جدا في الحكم -وإن لم تتبوأ مناصب عليا- اختفت بعد التغيير بموت مفاجئ بصورة سريعة تتناسب مع حتمية التغيير ومرحلة التجديد وضرورة كتم الأسرار وقطع دابرها. في أواخر الحرب العالمية الأولى، في ما كانت ألمانيا ما زالت تمتلك قوة لا تقهر عصية الهزيمة، جرت مناقشات حول واقع الحرب وجبهات القتال والوضع السياسي الدولي لبعض القيادات العسكرية والأمنية العليا للدولة الألمانية، جرى ذلك بعيدا عن أعين الامبراطور، وقد شرح القائد العام لودندورف الوضع بصورة جعلت الآخرين يستشعرون خطر الاختراق بأكثر من جبهة، بما يقرب شبح الهزيمة موضحا أن قدرة الصمود قد لا تستغرق أكثر من شهر. هنا سأله بعض القادة المجتمعين عن الحل فأجباهم بسؤال غريب بعضهم أجاب من دون أن يفهم معناه ومغزاه إلّا بعد حين، فقال: (أيها السادة المحترمون، أيّهما أهم ألمانيا أم الامبراطور)؟ فأجمع الحضور على أن ألمانيا هي الأهم من دون أن يدركوا ما يخبّئ لهم الجنرال لودندورف، وحينما استمع الإجابة وتيقن منها، كر عليهم بالمطلوب، فقال: (ألمانيا مهددة بخطر عسكري وشيك لا يبعده ولا يوقفه أو يقلل خسائره إلّا إقالة الامبراطور)! عند ذاك تحدد مصير ومستقبل الحرب وألمانيا فضلا عن وجه النظام الدولي الجديد وتقسيم ممتلكاته بين اللاعبين الجدد.