اعتاد الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، على ترديد هذه الجملة: «قد نأتي فجأة ذات ليلة» قبل أي عملية عسكرية أطلقتها القوات المسلحة التركية داخل الشمال السوري في السنوات الماضية، وهي جملة كررها، أمس الأربعاء، وهو يهدد بشن عملية عسكرية في محافظة إدلب السورية، لمنع الجيش السوري من السيطرة عليها، بعد تقدمه الكبير داخل المحافظة وفي حلب المجاورة لها، في أعقاب فشل المباحثات التركية – الروسية في التوصل إلى نتيجة ترضي أنقرة وموسكو، وتعيد إدلب منطقة خفض توتر وتصعيد، كما حددها اتفاق سوتشي بين اردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عام 2018.
وحذرت الرئاسة الروسية تركيا من شن أي عملية عسكرية ضد الجيش السوري، واعتبرت حدوث ذلك “أسوأ سيناريو”، في حين أكدت أنها “لم تعد راضية” عن سير اتفاق سوتشي، الأمر الذي يضعف خط التفاهم التركي – الروسي في سوريا، بالرغم من إبقاء باب التواصل مفتوحا.
المعركة التركية
وقال اردوغان، في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في أنقرة “نحن نصدر تحذيراتنا الأخيرة. لسوء الحظ، لم نتمكن من الوصول إلى النتيجة المرجوة حتى الآن”. في إشارة إلى إخفاق جولتين من المباحثات التركية – الروسية في أنقرة وموسكو. وتابع “انها حقيقة؛ نحن بعيدون عن المكان الذي نريده حول الطاولة”.
ونبّه اردوغان إلى أن “تركيا قامت بجميع أنواع الاستعدادات لتنفيذ خطة العملية الخاصة بها في إدلب”، مهددا “يمكننا أن نأتي فجأة في ليلة واحدة، وبعبارة أكثر وضوحا، فإن عملية إدلب هي مسألة وقت”.
ورأس اردوغان، مساء أمس الاول الثلاثاء، اجتماعا لحكومته، جاءت التطورات في سوريا، وإدلب خاصة، في مقدمة جدول أعماله.
وقال إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، عقب اجتماع الحكومة: إن “هدفنا الأساسي في إدلب هو العودة فورا إلى اتفاق سوتشي”.
وتنشر تركيا، بموجب الاتفاق، 12 نقطة مراقبة عسكرية في إدلب، لضمان كبح التصعيد، ولكن هذه النقاط فقدت فاعليتها، بشكل جزئي، في الأيام الماضية بعدما صارت 4 منها، على الأقل، وراء خطوط الجيش السوري إثر تقدمه الميداني الأخير، وقتله وإصابته العشرات من العسكريين الأتراك في إدلب خلال قصفين ردت عليهما القوات التركية بالمثل.
وأكد كالن، مع هذه التحديات والظروف، أن “سحب نقاط مراقبتنا العسكرية أمر غير وارد لدينا”. وأردف “من أجل حماية هذه المنطقة، وحماية المدنيين، ستستمر تحصيناتنا وشحناتنا العسكرية فيها”.
وردّد خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، هذه الرسالة أيضا، في تصريحات على هامش حضوره امس الأربعاء، إلى مقر البرلمان مع اردوغان.
وقال أكار: إن تركيا تمتلك الصلاحيات لاتخاذ التدابير اللازمة من أجل تأمين وقف إطلاق النار، بصفتها دولة ضامنة بموجب المادة الخامسة من اتفاق سوتشي، مطالبا الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي بالالتزام بتعهداتهما المتعلقة بسوريا، واتخاذ خطوات ملموسة لتجسيد مسؤولياتهما هناك.
وجدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دعمه لنظيره التركي بشأن إدلب.
وقال في تصريحات صحفية، مساء الثلاثاء: “تحدثت مع اردوغان عن إدلب ونحن نعمل معا. إنه رجل شديد، لكن لدينا علاقات جيدة جدا، وهو لا يريد للناس أن يُقتلوا”.
وتحمل أنقرة دمشق، باستمرار، مسؤولية تهديد حياة ملايين المدنيين في إدلب، وتشريد مئات الآلاف منهم في العراء، وصوب الحدود التركية، في حين تؤكد دمشق وحليفتها موسكو أن الأعمال العسكرية في إدلب تستهدف المجاميع الإرهابية.
وأرسلت الأمم المتحدة 36 شاحنة مساعدات إنسانية عبر تركيا إلى إدلب.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية التركية: إن قافلة المساعدات دخلت من ولاية هاتاي الحدودية، عبر معبر باب الهوى السوري، موضحة أنها ستوزع بين المحتاجين في إدلب وريفها.
الرد الروسي
وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، في جواب على سؤال صحفي، بشأن كيفية رد روسيا في حال بدأ اردوغان عملية عسكرية في الأراضي السورية “دعونا لا ننطلق الآن من أسوأ السيناريوهات”. وواصل “إذا كان الحديث يدور حول عملية ضد الجماعات الإرهابية في إدلب، فإنها ستكون متماشية مع اتفاقات سوتشي، من أجل تحييد هذه الجماعات الإرهابية، والتي لديها الآن بنية أساسية قوية بما فيه الكفاية من الأسلحة والمعدات والذخائر، وهذه هي مسؤولية الجانب التركي”.
وأبقى بيسكوف خط المباحثات مفتوحا، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية، مبيّنا “نعتزم مواصلة الاتصالات مع الزملاء الأتراك، من أجل منع تطور الوضع في إدلب، ومنع المزيد من التصعيد”.
وعادة ما كان الرئيسان التركي والروسي يتواصلان مباشرة في مثل هكذا أحوال، ولكن المتحدث الرئاسي الروسي نفى وجود أي تخطيط لإجراء محادثة هاتفية بين الرئيسين، مستدركا “إذا لزم الأمر؛ يمكن الاتفاق على محادثة في غضون ساعات”.
وأكد المتحدث باسم الكرملين أن الشعور بالرضا عن اتفاق سوتشي توقف تماما، عازيا ذلك إلى “الأعمال الهجومية التي شنها المسلحون والجماعات الإرهابية ضد القوات المسلحة السورية والمنشآت العسكرية الروسية في إدلب، وهنا انتهى رضانا”.
وجدد سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، دعم بلاده للجيش السوري في إدلب.
وقال، في مؤتمر صحفي، عقب لقاء مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، في موسكو “لم يتم بعد إنشاء خط منزوع السلاح على طول محيط منطقة إدلب، علاوة على ذلك، يستمر القصف من منطقة خفض التصعيد على مواقع الجيش السوري، والأهداف المدنية، وهناك محاولات مهاجمة قاعدتنا في
حميميم”.
ولفت لافروف إلى أن “القوات السورية تضغط على المقاتلين والإرهابيين ليس على أراض أجنبية، ولكن من تلقاء نفسها”، وأن أعمالها تأتي “استجابة لانتهاك صارخ لاتفاق إدلب”، معبِّرا، في الوقت نفسه، عن الاستعداد للعمل مع تركيا، على أعلى مستوى.