صالح الشيخ خلف
جرتْ في ايران يوم الجمعة الماضية الانتخابات البرلمانية في دورتها الحادية عشرة في ظل ظروف استثنائية تمر بها ايران، هذه الانتخابات جرت في ظل عاملين مهمين اثرا في الناخب الايراني . العامل الاول العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة الاميركية بسبب انسحابها من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية متشعبة ومعقدة هي الاولى من نوعها التي تفرضها على دولة خارجية كما صرح بذلك الرئيس الاميركي دونالد ترامب، والعامل الثاني المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون الايرانيون جراء العقوبات الاقتصادية التي اثرت في اقتصاديات الأسرة الايرانية ورجل الشارع العادي .
وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة الايرانية لاجراءات احترازية لتخفيف حدة المشكلات الاقتصادية، لكن معاناة المواطنين الاقتصادية لايمكن تجاهلها بهذه البساطة والتي القت بظلالها بشكل واضح على برامج القوائم الانتخابية التابعة للتيار الاصلاحي او للتيار الاصولي . وبالتالي فان الجميع تحدث عن معالجات اقتصادية ووعود بتحسين الحالة الاقتصادية في حين يتطلع الناخب الايراني للشخصيات المؤهلة التي تستطيع التحرك باتجاهين الاول مواجهة التعنت الاميركي الذي يريد فرض مقاساته على اي مفاوضات محتملة ، والثاني العمل على اتخاذ سياسات ناجعة لمساعدة المواطنين بعد انتقادات شعبية واسعة للفريق الاقتصادي العامل في الحكومة الايرانية .
اجراء الانتخابات في ايران منذ قيام الجمهورية الاسلامية عام 1980 وحتى الان خطوة يفتخر بها النظام لاسباب تتعلق باعتماد الدستور الايراني على صناديق الاقتراع في اختيار اعضاء الاطر الدستورية كمجلس الشورى البرلمان ، والمجالس البلدية ، ورئيس الجمهورية ، ومجلس خبراء القيادة الايرانية الذي ينتخب المرشد الاعلى بالشكل الذي تشهد ايران حالة انتخابية كل عام تقريبا .
هذه الانتخابات لم تسلم من انتقادات يوجها التيار الاصلاحي لمجلس صيانة الدستور الذي خوله الدستور بالنظر بصلاحية المرشحين . ومما يزيد من حدة هذه الانتقادات ان اصوليين متشددين يسيطرون على مجلس صيانة الدستور والذي يتشكل من ستة فقهاء في الشريعة يعينهم المرشد الاعلى وستة قانونيين يرشحهم الجهاز القضائي وينتخبهم البرلمان . التيار الاصلاحي لديه مشكلة مع حجم الصلاحيات المعطاة لمجلس صيانة الدستور والتي اقرها التعديل الذي تم في العام 1988 على بنود الدستور بشان صلاحية هذا المجلس . لكن في نهاية المطاف يحاول النظام السياسي ترسيخ قواعد اللعبة السياسية في البلد الذي يعاني من ضغوط متعددة الاتجاهات بسبب السياسات التي يتخذها على الصعيدين الاقليمي والدولي . بينما يحرص النظام على جعل هذه الانتخابات استفتاء شعبيا على مشروعية النظام لمواجهة الضغوط الخارجية ودعم السياسات المختلفة التي يتبناه النظام .
وقد عمد المرشد الاعلى الامام علي الخامنئي الى حث المواطنين على المشاركة في هذه الانتخابات لمواجهة الضغوط التي تمارسها الحكومة الاميركية في الوقت الذي دعا فيه الرئيس الايراني حسن روحاني الى اجراء انتخابات نزيهة تعطي مجالا اوسع للناخب والمرشح من ممارسة العملية الانتخابية .
وبانتظار نتائج الانتخابات تتحدث التكهنات عن سيطرة المتشددين على البرلمان الجديد لمواجهة الضغوطات السياسية والاقتصادية خصوصا اذ ما تم ترحيل” الاتفاق النووي” لمجلس الامن الدولي كما تتمنى الحكومة الاميركية ، وفي هذه الحالة ليس امام ايران – كما قالت – الا الخروج من معاهدة الحظر النووي والبدء ببرنامج لتخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة تصل الى 60 بالمئة او اكثر وهذه خطوة تقلق الدول المعنية بالاتفاق النووي وهي الدول الاوروبية وروسيا والصين، اضافة الى الولايات المتحدة، ففي هذه الحالة تكون هناك حاجة ملحة لبرلمان متشدد يأخذ على عاتقه اتخاذ قرارات حادة ومصيرية لمواجهة اي تصعيد محتمل سواء قبل الانتخابات الامريكية او بعدها خصوصا اذا ما فاز الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في تشرين الثاني
المقبل .
ويعتقد المسؤولون في ايران بانهم نجحوا الى حد بعيد في هذه الانتخابات في ارسال رسالة واضحة للخارج الايراني وتحديدا للولايات المتحدة تفيد بان المواطن الايراني ما زال يؤيد النظام السياسي وما زال يؤمن بقدرات قيادته السياسية على تامين مصالحه في التعاطي مع جميع الملفات الساخنة وبالتالي فانه اراد ان يقول للحكومة الاميركية تحديدا ، ان الرهان على تذمر الشارع الايراني على قيادته لا يخدم الاهداف التي يسير باتجاهها، وان الجلوس على طاولة مفاوضات على اساس رابح رابح كما تم في الاتفاق النووي هي الطريقة الاكثر عملانية للتوصل مع ايران لاي اتفاق
جديد .