الطائرات المسيّرة قد تصبح اسلوب حرب المستقبل الجوية

ريبورتاج 2020/02/25
...

ترجمة: أنيس الصفار       مايكل صافي 
هبط المساء على قاعدة حميميم الجوية الروسية في غرب سوريا .. ومعه لاحت أولى الطائرات المسيرة، ثم تلتها ثانية وثالثة حتى اكتمل العدد .. ثلاث عشرة نقطة تلتمع على شاشة الرادار تطير مسرعة باتجاه القاعدة الجوية والمنشأة البحرية التي لا تبعد عنها كثيراً.
هذه الطائرات المحملة بالمواد المتفجرة لم تكن مشكلة ذات بال للدفاعات الجوية الروسية، إذ سرعان ما اسقطت سبع منها وتم التشويش على الست المتبقيات، وفقاً لوزارة الدفاع الروسية. بيد أن هذا الهجوم الفاشل، الذي وقع مطلع السنة الماضية، أثار قلق المراقبين المهتمين بمتابعة نهج الحرب بالطائرات المسيرة.
يقول “بول شار” وهو محلل في شؤون الدفاع ومؤلف مهتم بدراسة ظاهرة تسليح الذكاء الاصطناعي: “كان ذلك أول هجوم بمجموعة من الطائرات المسيرة معاً، كما أن عدد الطائرات كان أكبر ما شاهدناه يستخدم في آن واحد من قبل لاعبين لا ينتمون لدولة ضمن اطار عملية قتالية واحدة.
تواصلت محاولات الهجوم بعد ذلك، ومع حلول شهر أيلول أعلن الجيش الروسي أنه قد أسقط ما يقارب 60 طائرة مسيّرة حول قاعدة حميميم. 
حقل استخدام الطائرات العسكرية المسيّرة تهيمن عليه حالياً طائرات الاستكشاف بدون طيار والطائرات الهجومية المسيّرة الأكبر حجماً. هذا الوضع متوقع له الاستمرار ولا يحتمل أن يتغير في المستقبل القريب، ومن المتوقع أن يتصاعد الطلب بصورة دراماتيكية على هذين النوعين من الطائرات خلال العقد المقبل وفقاً لخبراء الدفاع في مجموعة “جين” للمعلومات.
 
تكنولوجيا الاسراب
بيد أن الهجمات على قاعدة حميميم، وكذلك الضربة الناجحة التي نفذت على منشآت النفط السعودية، تمثل ومضات مبكرة تنبئ بالمستقبل المتوقع للحرب الجوية، وهونهج إغراق الهدف بأسراب كثيفة من الطائرات المسيرة.
تكنولوجيا الاسراب (التي يقصد بها نشر أعداد من الطائرات المسيّرة القادرة على التفكير المستقل الى جانب العمل كمجموع) لا تزال في مراحلها المبكرة ولكن القوات المسلحة في العالم، بما فيها القوات البريطانية، بدأت بإنفاق الملايين على تطوير هذا السلاح. 
من المحتمل أن الطائرات المسيرة التي استخدمت لمهاجمة حميميم والمنشآت السعودية قد تمت برمجتها وفق احداثيات أهدافها على نظام تحديد المواقع ثم أطلقت. أما اسرائيل فهي تستخدم منذ الآن حشوداً من الطائرات المسيّرة لشل قدرات الدفاع الجوي السورية من خلال اغراق اجواء المنطقة بأعداد من الاهداف تفوق قدرة الانظمة المضادة على التعامل معها.
يعتقد المحللون أن اسراب الطائرات المسيرة سوف تمتلك القدرة مستقبلاً على اجراء تقييم للأهداف وتوزيع المهام في ما بينها بنفسها ثم تمضي في تنفيذ عملياتها بأقل قدر من التداخل البشري.
يقول شار: “ستتحقق القفزة الحقيقية في استخدام الأسراب حين يكتفي الموجّه البشري بإعطاء أمر الانطلاق نحو المهمة فتتواصل روبوتات السرب في ما بينها وتبدأ بتقاسم الواجبات والادوار.” 
يتوقع المحللون أننا قد نشهد نسخاً اولية بدائية من تكنولوجيا هذا الاستخدام في غضون عقد من يومنا. هذه النسخ قد تتضمن اسراباً من الطائرات المسيّرة التي تعمل على موجات متعددة مختلفة الذبذبات وبذلك تكون اكثر مقاومة للتشويش، أو اسراب قادرة على حجب أو ضرب مصادر تهديد متعددة بأسرع مما يقوى العقل البشري على معالجتها والتعامل معها.
يقول شار: “في ملعب الكرة يستطيع لاعبان أن يتسابقان للامساك بالكرة، وهما قادران على تنسيق العمل فيما بينهما عادة. ولكن دعنا نتخيل ملعباً فيه 50 لاعباً و50 كرة، البشر لا يمكنهم التنسيق ازاء مواقف على هذه الدرجة من التعقيد، ولكن الروبوتات قادرة على ذلك بدقة شديدة.”
 
تكنولوجيا مخفية
في أغلب الاحيان يبقى التقدم المتحقق في تكنولوجيا الأسراب طي السرية، بيد أن الحكومات تسمح بالكشف عن بعض اللمحات. ففي العام 2016 نشرت الولايات المتحدة مقطع فيديو لأكثر من 100 طائرة مسيرة مايكروية تطير فوق بحيرة في كاليفورنيا وتجري مناورات كما لو كانت كائناً جمعياً واحداً يشترك بدماغ موزع موحد فهي تتخذ القرارات وتتكيف مع بعضها اثناء العمل مثلما تفعل الاسراب في الطبيعة، على حد تعبير احد علماء القوة الجوية.
خلال اختبارات اجريت في السنة الماضية ادعت وكالة “مشاريع ابحاث الدفاع المتقدم” ان سرباً صغيراً من طائراتها المسيرة قد تمكن بنجاح من الاشتراك بالمعلومات وتوزيع الأعمال واتخاذ قرارات تكتيكية منسقة في مواجهة تهديدات سبقت برمجته لها وأخرى تطرأ آنياً.
البحرية الأميركية أعلنت انها قد تمكنت منذ الان من تحقيق فتوحات في مجال الزوارق ذاتية القيادة القادرة على ازالة الالغام او مرافقة السفن الاكبر التي يتولى بشريون قيادتها لحمايتها بفعالية وكفاءة.
في اشارة الى الهجوم الذي نفذه خلال شهر تشرين الأول من العام 2000 زورقان محملان بالمتفجرات يقودهما انتحاريون من تنظيم القاعدة وأسفر عن مقتل 17 بحاراً أميركياً يقول “دان كيتنبرغ” معاون مدير مركز دراسات المركبات المسيرة في جامعة بارد: “لو عدنا الى الوراء، الى حادثة تفجير السفينة يو أس أس كول، لوجدنا أن هذه السفينة كانت ترسو في مكانها كأي هدف مفتوح في ذلك الميناء اليمني، ولو كان لديها درع واق من زوارق الخدمة المسيرة لاعترض المهاجمين قبل وقوع الحادث.”
فكرة الطائرات المسيرة الذكية التي تطير ذاتياً بلا طيار والمزودة بوسائل القتل لا بد أن تثير مشاعر القلق. ففي حديث له في السنة الماضية قال الأمين العام للأمم المتحدة “انتونيو غوتيرش”: “إمكانية استخدام آلات تمتلك حرية التصرف والقدرة على سلب البشر حياتهم أمر مرفوض أخلاقياً.”
في العام 2017 نشر المدافعون عن حظر استخدام الأسلحة ذاتية التصرف فيلماً قصيراً عنوانه “سلوتر بوتس” (كلمة مركبة من كلمتين تعني: الروبوتات القاتلة - المترجم). يصور الفيلم مستقبلاً سوداوياً يستطيع الارهابيون فيه أن يطلقوا اسراباً من الطائرات المسيّرة الصغيرة القادرة على تشخيص أناس معينين وقتلهم.
بعض المحللين يشككون بهذه السيناريوهات الكابوسية. الطائرات المسيرة قد تتطور الى أن تمتلك ذات يوم القدرة على تنفيذ عمليات قتل لأهداف محددة باستخدام الاسراب، ولكن تبنى الجيوش النظامية لهذه التكنولوجيا ليست أمراً مؤكداً، كما يقول “جاك واتلنغ” الزميل الاقدم في المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
 
كلفة منخفضة
نفورهم منها ليس مردّه الاخلاقيات بقدر ما هي النفقات. يقول واتلنغ: “لو تأملنا مسألة توفير المتطلبات لكل هذا العدد الكبير من الطائرات المسيرة المعقدة القادرة على التقاط أشخاص معينين ومعالجة البيانات والتواصل مع بعضها البعض والطواف فوق مدينة بأكملها لوجدنا أننا بحاجة الى الكثير جداً من الاجزاء المتحركة، وهي باهظة الكلفة.”
الأقرب الى التقبل من ناحية الكلفة، وبالتالي يرجح ارتفاع الطلب عليها، هي اسراب الطائرات  المسيّرة التي تنفذ مهام أبسط، مثل ارباك الأنظمة الرادارية بكثرة عددها وتشتيت تركيزها وإيقاع وسائل الاستشعار المعادية في حيرة وفوضى.
جانب من السبب الذي يجعل الطائرات المسيرة جذابة هكذا هو انخفاض كلفتها، كما يقول شار. فخلال السنوات الأخيرة تقلصت التخصيصات المالية للجيوش الغربية بصورة جسيمة مع ازدياد السفن والطائرات تعقيداً، وبالتالي صار من المكلّف جداً شراؤها بأعداد كبيرة (الأمر الذي رفع كلفة السفينة او الطائرة المفردة).
الطائرات المسيّرة وسيلة زهيدة الثمن لرفع اجمالي حجم القوة. يقول شار: “تحاول الجيوش الغربية ايجاد طريقة لإضافة مزيد من الارقام الى المعادلة من اجل اضفاء التكامل على هذه الطائرات والسفن المكلفة التي تحدثنا عنها وذلك باستخدام أنظمة رخيصة ترفع فعاليتها.”
يضيف شار مستطرداً أن محاولة تصور مستقبل تكنولوجيا الاسراب من زاوية نظر العام  2019 لن تجدينا شيئاً، ثم يمضي موضحاً: “لنتخيل شخصاً في العام 1912 وهو ينظر الى طائرة ويقول اعتقد انها ستكون مفيدة، بيد أن ما من أحد كان يعلم حقاً في ذلك الحين ما يمكن أن تصنعه الطائرات.”