نجاح العلي
هناك توجه للحكومة الجديدة بتقليص الهياكل الإداريَّة للدولة استجابة للمطالب الشعبيَّة في إجراء الإصلاحات وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وانسجاماً مع متطلبات الأزمة المالية في ظل التداعيات الخطيرة جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي تعتمد عليه الموازنة. يبلغ عدد الوزارات حالياً 22 وزارة بعد أنْ كانت 33 وزارة قلصت عام 2016 في أولى خطوات الإصلاح الإداري، إذ تم دمج وزارة البلديات مع وزارة الإعمار والإسكان ودمج وزارة العلوم والتكنولجيا مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ودمج وزارة البيئة مع وزارة الصحة ودمج وزارة السياحة والآثار مع وزارة الثقافة وإلغاء وزارات حقوق الإنسان والدولة لشؤون مجلس النواب والدولة لشؤون المحافظات ووزارة المرأة.التقليص الذي حصل لاقى استحساناً من الأطراف الرسميَّة والشعبية لأنه قلل من الترهل الوظيفي ومن النفقات المرصودة، لكنَّ الأداء العام والخدمات المقدمة لم ترتق الى المستوى المطلوب ولم نجد نقلة نوعيَّة، التجارب العالمية في الإدارة ترى أنَّ لكل دولة خصوصيتها في هيكلها الإداري، فاندونيسيا تضم 37 وزارة وهي الأولى عالمياً في عدد الوزارات، وأميركا تضم 14 وزارة فقط وكلا البلدين يتمتعان باستقرار سياسي واقتصادي ويتمتعان بدولة الرفاه الاجتماعي، في حين نرى أغلب الدول المتقدمة يضم هيكلها الإداري من 20 الى 22 وزارة فقط وهي من الدول المتطورة والمستقرة.
نرى أنَّ الترشيق الإداري وليس التقليص، هو من ضرورات المرحلة الحالية خاصة في الهيئات والمؤسسات التي يبلغ عددها 25 هيئة ومؤسسة بالإمكان دمجها وإلغاؤها من دون المساس بحقوق الموظفين وإمكانية الاستفادة من كفاءاتهم وخبراتهم في دوائر الدولة الأخرى، وقبل الشروع بعملية الترشيق هذه لا بدَّ من دراسة متأنية ودقيقة للواقع وخصوصياته الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة وحتى النفسيَّة وتركيبته الاثنيَّة والعرقيَّة والتحديات والفرص المتاحة له وأخذ رأي ومشورة الخبراء والمتخصصين في هذا الشأن، لأنه قد يكون التقليص والدمج مضرين في أحيانٍ معينة.لهذا نؤكد على مفردة الترشيق التي تعني إزالة ما هو فائض عن الحاجة في الهياكل الإداريَّة للدولة العراقية خاصة الهيئات والمؤسسات ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي ووكلاء الوزارات ودوائر الوزارة والأجهزة الأمنية المتعددة والكثيرة التي قد يتشابه عملها ومسمياتها، بالإمكان دمجها أو إلغاؤها خدمة للصالح العام وبما يحقق كفاءة في الأداء في أقل وقت وجهد تكلفة، على ألا تدخل عملية إصلاح هيكل الدولة ضمن التجاذبات السياسيَّة ومصالحها الحزبيَّة، خصوصاً أنَّ أغلب المناصب يتم استحداثها لترضية جهات على حساب الميزانية وهيكلها الإداري الذي يعاني من الترهل بشكلٍ كبير وهذه حقيقة يعيها الجميع.
لا بدَّ من تضافر جهود الجميع لتحقيق هذا الهدف، وأنْ يقدم جميع الغرماء السياسيين التنازلات خاصة إذا ما علمنا أنَّ أي عملية تغيير في هيكل الدولة تحتاج الى تشريعات وقوانين يسنها مجلس النواب الذي بجهوده وإسناده للحكومة الجديدة بإمكاننا تلافي الأزمة المالية والاقتصادية بما يحقق الإصلاح الذي ننشده جميعاً في جميع مفاصل الدولة العراقية وبما يقلل من هدر المال العام وتخصيص موارد الميزانية لمشاريع إنتاجيَّة وتشغيليَّة تقللُ من الاعتماد على النفط ومشتقاته وتسهم في تشغيل اليد العاملة والهجرة التدريجيَّة من القطاع العام الى القطاع الخاص عبر دعمه وتنشيطه بحزمة من القرارات والإجراءات العمليَّة.