ابو مشتاق: الأفلام لونتْ حياتي وكانت مصدر رزقي

الصفحة الاخيرة 2020/06/09
...

الصباح / محمد سهيل احمد 
 
    خمس ساعات من الاستذكار وتقليب الصفحات قضيت من دون أن اشعر بها وأنا أحاور آخر عاشق من عشاق سينمات البصرة. مكتبته الصغيرة حافلة بمجلدات تضم مانشيتات لمئات الأفلام التي عرضت في سينمات المدينة التي تحولت بحكم الزمن إلى مقاه، وكراجات وعمارات بلا ذائقة. 
   في بيته المتواضع بإحدى مناطق البصرة الشعبية حاورت أبا مشتاق حول تلك الأيام الفضية الممجدة وفي ما يلي نص الحوار:
* كيف بدأت علاقتك بعوالم دور السينما البصرية؟ 
 ــ كنت منذ صغري اعشق عالم السينمات إذ لم تكن وسائل الترفيه متوفرة كما هي عليه هذه الأيام. كان هنالك الراديو والتلفزيون لكنهما لم يشبعا أحلام فتى صغير. وشيئا فشيئا وجدت نفسي في دور السينما وسيلة للعيش حيث استأجرت " كافتريا" سينما الحمراء الجديدة الشتوية لزبائني من الفتية والكبار ممن كانوا يقبلون على سندويشات الفلافل والمخ والزلاطة ومكسرات الحب والفول السوداني. كما إنني وجدت في السينما ما يلبي ميولي من رسم، وكمال أجسام، وتصوير فوتوغرافي.
 
* ما هو أكثر شيء جذبك إلى عوالم السينما؟ 
 ــ    انجذبت في طفولتي إلى أفلام طرزان وعوالمه الفريدة من نوعها كما إنني كنت معجبا بأجسام ممثلي شخصية طرزان: جوني وسيمولر، وبستر كراب، وليكس باركر وآخرين. كما إنني شغفت بأفلام الغرب(الكاوبوي). لكن جوني ويسمولر لم يكن أول من ادى دور طرزان في السينما الهوليوودية، انما كان نجم هوليوود إلمو لينكولن أول من جسد الدور في فيلم " طرزان الرجل القرد"(1918).
 
* لا بد انك التقيت بتومان عازف الناي، ما طبيعة ذاكرتك عن تلك الشخصية القديرة؟
ــ تومان من الشخصيات البصرية التي لا يمكن نسيانها. وقد بدأ حياته الاستعراضية مقلدا للممثل العربي (شكوكو). ثم اختارته ادارات السينمات في البصرة ليكون مسؤولاً عن الترويج لأفلامها المعروضة، وما زلت اذكر موكبه المؤلف من صغيرين بالسن يحملان خشبة المانشيت ويقومان بالتجول في شوارع المدينة. وكان تومان يضيف لتلك العملية سحرا خاصا عن طريق العزف بالناي (الفيفرا) عن طريق الأنف وكان عزفه في غاية البراعة.
 
* هل حصل لك انقطاع مع عوالم السينما وما حكاية ذلك الانقطاع إن وجد؟ 
ــ   نعم.. رغم تراجع دور السينما لصالح التلفزيون إلا إنني بقيت اعشق السينما مضيفا إلى ولعي بأفلامها هوايات اخرى مثل الرسم وتجليد مئات الصور وتبويبها إلى داخل البومات، إضافة الى التصوير الفوتوغرافي. لكن الحقيقة إن حربنا مع إيران وفترة الخمس عشرة سنة التي قضيتها في الأسر بترت علاقتي بالسينما كعالم أعيشه واعشقه. ولكن ما أثلج صدري هو ان زوجتي حرصت على صيانة مكتبتي بكل حرص وأمانة طيلة فترة الأسر القاسية. 
 
* أراك شاهداً على تألق واندثار دور السينما، هل من خلاصة لما اختزنته ذاكرتك؟ 
 ــ السينما لونت حياتي وأشبعت رغباتي وأحلامي، مثلما كانت مصدر رزق كنت اعتاش عليه. اجل كنت شاهدا على تألق واندثار عوالم السينما الساحرة. كما ان السينما أعطتني تصورا أرحب للحياة بشتى وجوهها الارستقراطية والشعبية. 
* هل لديك تصور عن استعادة أنوار تلك الصروح الحافلة بالحكايات؟ 
 ــ سمعت بوجود دور للسينما بصالات عرض داخل بعض مولات المدينة لكنني لست مقتنعا بأنها ستمنح نفس الذائقة التي كانت تمنحها سينمات أبو أربعين واللوج وأبو سبعين حين تنطفئ أنوار الصالات لتبدأ حياة ساحرة ملونة أو بالأسود والأبيض مصحوبة، اثناء الفرص، بالموسيقى الكلاسيكية او أغاني محمد عبد الوهاب وام كلثوم وفريد وعبد الحليم.