كل عام وصحافتنا بقلق!

الصفحة الاخيرة 2020/06/16
...


عبدالهادي مهودر
 
تحتفل الأسرة الصحفيَّة العراقيَّة في منتصف شهر حزيران من كل عام بعيدها الذي بلغ هذا العام الحادي والخمسين بعد المئة، ولم يمر عام إلا وصحافتنا تعيش بقلق، و"ما مرَّ عام والعراق ليس فيه جوع" كما يقول السياب، وهو قلق مشروع مخافة عدم الاستمرار ونتيجةً لاتساع دائرة البطالة بين الصحفيين بسبب توقف معظم الصحف الورقية وتحولها الى الكترونية تعتمد على عددٍ قليل جداً من الفنيين والصحفيين، رغم محاولات حثيثة وجادة من قبل العديد من رؤساء تحرير الصحف المستقلة ونقابة الصحفيين العراقيين والمؤسسات الصحفية لتحقيق الاستقرار المنشود والتي لم تثمر حتى اليوم عن التوصل لحلولٍ دائمة، ومنها مقترحات دعم الدولة للصحافة، دعماً غير مشروط، ذلك لأنَّ الصحافة ركنٌ أساس في الحياة السياسية والنظام الديمقراطي، ولا يمكن لنظام ينتهج الديمقراطية ألا يسعى لتوفير أجواء سليمة لبناء مؤسسات صحفية مستقرة وقوية وفاعلة تشارك في صناعة القرار وتدعم النقاش الحر وتصارع من أجل كشف الحقيقة لصالح المجتمع المكبل بالكثير من القيود والضغوط السياسية والاجتماعية، وليس غير الصحافة الحقيقية والصحفيين من هو قادر على تحمل هذه المسؤولية الكبرى.
وإذا كانت التعددية الإعلامية في العراق هي حقيقة لا يمكن إنكارها بعد العام ٢٠٠٣ فإنَّ مكسب التعددية يوشك أنْ يفقد محتواه في ظل الاختلال الواضح المتمثل بتمكن الجهات السياسيَّة والحزبية من امتلاك وسائل الإعلام المتعددة مقابل تراجع الصحف المستقلة إنْ لم نقل غيابها، مضطرة وليست مختارة، الأمر الذي سيؤدي لولادة جيل لا يقدم للصحافة ما يعزز مكانتها كسلطة قائدة ومساعدة على التغيير وليست تابعة ومنقادة لا تقدم للمجتمع غير المعلومات والأفكار المعلبة والتمجيد الشخصي الذي طالما دمر الأشخاص والأحزاب والمجتمعات والأوطان.
ومثلما للأحزاب حقها في أنْ تكون لها وسائل إعلامها الناطقة باسمها، فللصحافة المستقلة حقها في الاستقرار والاستمراريَّة، وواجب الدولة أنْ تنظم هذه المعادلة التي تنتج عنها منافسة تخدم الحقيقة وترتقي بالرأي العام وتحارب ظواهر الفساد إلى جانب المؤسسات الرقابيَّة وتعمل عبر رصدها المستمر على سد الثغرات التي يتسرب منها المال العام.
ويترافق عيد الصحافة العراقية هذا العام في ظل مخاطر عديدة وانهيار مالي غير مسبوق، ما يزيد من حدة هذا القلق ويضاعف أعداد الصحفيين العاطلين عن العمل الذين لم تعد للصحف والإذاعات ووكالات الأنباء والفضائيات المتبقية القدرة على استيعابهم، لا سيما في ظل جائحة كورونا التي قلصت أعداد الموظفين إلى الربع، إضافة إلى أنَّ جميع وسائل الإعلام العراقية تعاني من ضائقة مالية نتيجة توقف الحياة الاقتصادية وسوء توزيع موارد الإعلانات وتقليص ملاكاتها وتأخر صرف المرتبات.
ومع كل هذه المصاعب التي تواجهها الصحافة العراقية فإنَّ استمرارها بأي شكل من الأشكال هو نجاح بحد ذاته، فالنجاح لا طعم ولا قيمة له في الطرق المفروشة بالورود، وإنما قيمته بتحققه في الظرف القاهر، ورغم واقعها المالي الصعب فالصحف تصارع من أجل البقاء والانتصار والتكيّف مع المتغيرات التي طرأت على عالمنا، ومنها تحدي الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي التي قلبت الموازين.
إنَّ قلق الصحافة والصحفيين ليس بجديد، بل هو القاعدة في العسر واليسر وليس الاستثناء، فهي مهنة المتاعب والصحفي مقاتل لا يستريح لكنه يحلم بالاستقرار ويحق له أنْ يحلم ويعيش عيشة كريمة.. وحتى عام جديد تتحقق فيه أحلام الصحفيين بغدٍ أفضل وحماية وأمن أفضل ووضوح أكثر ومعلومات أيسر، أوجه التحية لأسر شهداء الصحافة وأبعث أجمل الأمنيات لكل الزملاء الصحفيين والكتاب القلقين والحالمين في يوم صاحبة الجلالة.
كل عام وأنتم بخير.