الروتين

الصفحة الاخيرة 2020/06/20
...

حسن العاني 
 
لعلَّ الكسل وحده هو الذي منعني من البحث عن أصل مفردة (روتين) واشتقاقها، هل جذرها عربي أو يوناني أو لاتيني أم انها مشتقة من ( روتانا سينما) لان المواطن الذي تدفعه الضرورة القصوى إلى مراجعة دوائر الدولة يتعرض إلى العجائب ، حيث يلعب به الموظفون ( طوبة) ويجعلون منه كما يقال فيلماً سينمائياً!! 
على اية حال ، هناك حقائق ثابتة لا مجال لتباين الآراء حولها، في المقدمة منها ان الروتين أنواع ، حيث يمكن أن يكون في نمط العيش أو في الحياة اليومية أو الحياة الزوجية ...الخ ، ولكن الأكثر شهرة ، والشائع منها هو المتعارف عليه في دوائر الدولة، وهذا النوع تحديداً هو ما يعنينا هنا ، لان الروتين الإداري ظاهرة أممية لا يمكن تبرئة بلد منها ، سواء كان هذا البلد في الشمال الشرقي من قارة أوروبا ام كان في الجنوب الغربي من قارة آسيا ، ولكن نسبة التعاطي معه تتفاوت من مكان إلى مكان آخر ، ومن دولة إلى أخرى ، فقد تكون النسبة هنا واحداً بالعشرة وهناك واحداً بالمليون ، وشتان بين النسبتين ، لأنها في الحالة الثانية لا تكاد تذكر ، وفي هذا المجال يصح التذكير بان الدراسات العلمية الصادرة عن العديد من المراكز البحثية ، أفادت بان واحداً من أهم عوامل التراجع والانكماش الذي تعاني منه أغلب دول العالم الثالث هو استشراء الروتين القاتل في تعاملاتها الداخلية والخارجية .
الامبراطورية العربية الإسلامية على ما يبدو عرفت منذ وقت مبكر هذا السلوك الإداري بين موظفيها ، فقد قرأت في العقد الفريد ، ما لم تخذلني الذاكرة ، ان الخليفة عمر بن عبد العزيز ، عانى الأمرين من روتين احد ولاته، ولذلك كتب اليه معنفاً ومؤنباً ، ما معناه لو طلبت منك ان تقدم بقرة للرجل الفقير فلان مساعدة له ، لسألتني هل تقدم عجلاً أو بقرة حلوباً أو ثوراً ، ولو قلت لك ، قدم له بقرة حلوباً لرددت على كتابي تسأل : هل البقرة سمينة أم ضعيفة ، والله انك لا تصلح للولاية والعناية بأمور الرعية ثم عزله ! 
حدثني صديق يميل إلى المبالغة في حديثه من باب التزويق والامتاع والتحلية انه قصد ذات يوم إحدى دوائر الدولة في أمر من الأمور ، وكان عليه أن يملأ استمارة تتضمن جملة من المعلومات كالاسم الثلاثي ، والتولد ومسقط الرأس ، وعنوان العمل والتحصيل الدراسي ورقم شهادة الجنسية ....الخ كما كان عليه أن لا ينسى احضار المستمسكات الأربعة !! 
وبعد ان انتهى من ملء الاستمارة وكتب اسمه الثلاثي ولقبه وامضاءه ، سلمها إلى الموظف الذي اطلع عليها بتمعن ثم أعادها إليه قائلاً : ( المعلومات غير كاملة ، فأنت لم تذكر في حقل " عنوان العمل" هل أنت موظف في قطاع مختلط أو شركة أم حكومة) يقول صديقي : أخذت الاستمارة وكتبت عليها أمام الحقل المطلوب موظف حكومي ، إلا أن الرجل بعد الاطلاع عليها أعادها إليّ ثانية لأن المعلومات غير كاملة فأنت لم تذكر هل أنت موظف حكومي تابع إلى حكومة المركز أم حكومة الإقليم أم الحكومة المحلية اعتقد أن صديقي كان يمزح بالتأكيد ولكنني أتوقع ما هو أسوأ من ذلك في دوائر الدولة.