ثقافتنا الصحيَّة

الصفحة الاخيرة 2020/06/21
...

علي حسن الفواز
إذا كان توصيف الثقافة محصوراً بالمجالات الأدبيَّة والفنيَّة والفلسفيَّة، فإنَّ ذلك يعني تغييباً للجوهر الانثربولوجي الذي اقترنت به الثقافة، والتي تمثل "الكلّ الجامع للمعارف والأفكار والقيم والطقوس والعادات" كما يقول عنها تايلر، وهو ما يعني وجود توصيفات أخرى للثقافة لم يجر الحديث عنها، وتعطّلت بسبب الهيمنة الأدبيَّة على العقل الثقافي العربي والعراقي بشكلٍ خاص..
الثقافة الصحيَّة، توصيفٌ إجرائي للمفهوم، ولعلاقته بالقيم والعادات، والتي نحتاج العناية بها، لأنها تخصّ الإنسان أولاً، وتخص علاقته بالآخرين، وبالعالم ثانياً، مثلما تخص التعريف بأنماط معيشه، وبعاداته، وبالطرق والآليات التي يعبّر من خلالها عن تلك الأنماط والعادات ثالثاً..
في ظروف مواجهة جائحة كورونا تبرز أهمية الحاجة الى حديث الثقافة الصحيَّة، والى ضرورة إبرازها واستئنافها في الوسط الاجتماعي، وعبر الخطاب الإعلامي، أو عبر منصات المؤسسات، وحتى عبر منابر التعليم والفقه والدعوة، لأنها تعني حثّ الإنسان على حماية الآخرين من المكاره، وتعليمه وتحفيزه على تجنّب تلك المكاره، والى ضرورة العمل على تغيير بعض عاداته وأنماط سلوكه غير الصحيَّة، لا سيما على مستوى علاقاته بالآخرين، أو على مستوى تجنّب العادات الضارة، والتي تتطلب وجود الوعي الثقافي، والإرادة لتغييرها، والاعتماد على ما هو صحيح، وما هو علمي ووقائي، لكي يسهم الإنسان في حماية المجتمع والبيئة، ولكي يساعد نفسه وأسرته على عدم التعرّض لوبائيَّة المرض، لأنَّ ما يحدث الآن من انتشارٍ واسعٍ للوباء سببه ضعف الالتزام بالشروط الوقائيَّة، وبتوجيهات الجهات الصحيَّة، والتي تخصّ الالتزام بالنظافة والتباعد الاجتماعي، وتجنب الاختلاط، وارتداء الكمامات والكفوف.
إنّ السعي لتحويل الثقافة الصحيَّة الى ثقافة عامة، والى مفصلٍ مهمٍ من مفاصل برامجنا الثقافيَّة، يتطلب وجود المسؤوليات الثقافيَّة والصحيَّة معاً، على مستوى التفاعل والتواصل، وعلى مستوى وجود مشروع وطني واسع له أهدافه الواضحة، والذي يتطلب تهيئة المستلزمات المادية واللوجستية، فضلاً عن تيسير المعلومات العلمية والمنصات والمنابر المناسبة، وحتى دعوة الشخصيات ذات الحضور الاجتماعي والثقافي، لكي يكون لحضورها تأثيرٌ واضحٌ في قطاعات واسعة من المجتمع، ولكي تكون فاعلة في صناعة الخطاب الثقافي الصحي على المستوى العلمي والمعلوماتي، أو على مستوى صياغة رسالته الفاعلة، وقياس مدى تأثيرها في الجمهور المستهدف..