علي حسن الفواز
اهتمت اللغة العربية بمفردة الشهيد بشكلٍ استثنائي، على مستوى علاقتها بالفعل "شهد" أي رأى، أو حضر، أو كان فاعلاً في المشهد، او على مستوى الاهتمام بمرجعيتها المفهومية، لتجعل من الشهيد، ومن الشهادة موضوعين على درجة عالية من التداول والسمو، والرفعة، ومن العلو الذي يجعل مكانة الشهيد جليلة في وصفها وفي قيمتها، وفي دلالتها، مثلما اسبغت على موضوع الشهادة معنىً كرّس فعلها وأثرها وقياسها في ترهين الفعل بالقيمة، والمعنى بأثره الرمزي والنفسي، والذي ظل يحظى بحضور استثنائي في لا وعينا الجمعي، وفي ذاكرتنا اللغوية والادبية والدينية، وفي سياق ما قدّمه الشهداء من تضحيات كانت عناوين للنصر والتضحية والفخر..
استعادة بهاء الشهادة عبر سيرة الشهيد السيد محمد صادق الصدر تحمل معها دلالات تُغني ما تعنيه الشهادة، بوصفها موقفا، أو جهادا، أو تضحية، أو مسارا اختاره الشهيد للتعبير عن رفضه للاستبداد والظلم، ولكي يجعل من مسؤولية البطل الاخلاقي مهمة في التصدي للمسؤوليات الاجتماعية والدينية والاخلاقية، وبالقدر الذي يؤصّل معنى الشهادة في حياة الناس، وفي نظرتهم للبطل الذي يواجه الطغيان، مُنحازا لمبادئه، ورافضا سطوة الظلم، وهذا ما يجعل العلاقة بين التوصيف اللغوي للشهادة والشهيد، وبين الحضور الواقعي لهما أكثر تمثيلا للفكرة التي تحملها الشهادة، ولما تسمو به من بلاغة حدّ الإعجاز، ولما تجعل من الحضور عنوانا يُحيل الى مواقف وسير وحكايات تسمو بالبطولة..
في ذكرى استشهاد السيد الصدر يتحوّل فعل الاستعادة الى مراجعة، والى قراءة عميقة للتاريخ، وللمبادئ التي استشهد من اجلها، والتي تتجوهر في قيم ، الحق والعدل والايمان والدفاع عن المظلومين، وهي ذات معانٍ جوهرية تتعالق بالافكار والفلسفات الكبرى، وبسير الابطال والمناضلين الذين كانوا شهودا على عصورهم، بوصفهم حاملي الرايات، ومن الذين أدركوا اسباب الظلم فثاروا عليه، ليكون رفضهم ثورة بالمعنى الاخلاقي والانساني، ولتكون حياتهم وموتهم شهادات متواصلة، تتعلم منها الاجيال اللاحقة دروساً وعبراً كبيرة..