محمد شريف أبو ميسم
يبدو أنَّ ثمة متغيراً ملموساً سيشهده الشارع العراقي، على مستوى الأداء الحكومي خلال الستة أشهر المقبلة، وهذا المتغير تكشف عن ملامحه سياسة الإعداد لمواجهة الأزمة المالية، بعد إقرار قانون الاقتراض، والعمل بقانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، الذي أعطى حق الصرف للحكومة من إجمالي التخصيص السنوي للمشاريع الاستثمارية المستمرة والمدرجة تخصيصاتها خلال السنة المالية السابقة واللاحقةً، فضلا عن اعتماد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة أساساً للبيانات المالية لهذه السنة بمجرد تقديمها الى مجلس النواب لغرض إقرارها. بعد أن كان العمل على مدار ستة عشر عاما بقانون الإدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 الذي وضع بنوده المدججة بالتعويق الحاكم المدني بول بريمر، والذي لم يمنح حق الصرف إلا بنسبة 1/12 من قيمة النفقات الجارية للسنة الماضية وحسب، في حال عدم إقرار قانون الموازنة العامة.
الأمر الذي أعاق ولسنوات كل المحاولات المخلصة لتنفيذ المشاريع جراء التجاذبات السياسية التي حالت دون تشريع قانون الموازنة في العام 2014، وعطلت لنحو أربعة أو خمسة أشهر من كل عام تشريع قانون الموازنة السنوي، في ظل الدعوات المتكررة لتشريع قانون جديد. ما يعني أن تشريع قانون الادارة رقم 6 لسنة 2019 قبل بضعة أشهر من يومنا هذا، كان مكسبا رؤيويا لمسارات الأحداث، ومعالجة في الوقت المناسب لدعم أداء الحكومة الحالية وهي تواجه تداعيات جائحة كورونا وعجزا ماليا ناجما عن انخفاض أسعار النفط. فيما جاء قانون الاقتراض الذي شرعه مجلس النواب قبل بضعة أيام، ليمنح الحكومة مزيدا من حرية المناورة في المعالجات المالية بعد أن أجاز التوجه نحو الجهات الدائنة الدولية، من خلال الاستمرار بالاقتراض الخارجي لتمويل المشاريع التنموية بعد مصادقة مجلس الوزراء للقروض ومذكرات التفاهم الموقع عليها في قوانين الموازنات العامة للسنوات السابقة، بجانب ما جاء في ثانياً من المادة 1 الذي أجاز للحكومة هذا النوع من الاقتراض بما لا يزيد عن خمسة مليارات دولار للمشاريع الاستثمارية وتنمية الأقاليم المستمرة، وخمسة عشر ترليون دينار من الاقتراض المحلي عن طريق اصدار حوالات الخزينة والسندات والقروض المحلية، لتمويل العجز في النفقات التشغيلية. وعلى هذا، ومع ارتفاع أسعار النفط التي تقترب حاليا من عتبة الأربعين دولارا للبرميل بفعل تعافي الطلب العالمي جراء انحسار موجة الجائحة في البلدان الصناعية وفي مقدمتها الصين بوصفها أكبر مستهلك للنفط في آسيا، نتوقع اداء ايجابيا للحكومة الحالية في مواجهة الأزمة المالية، على الرغم مما تسببت به الجائحة من تداعيات على مستوى المشهد الكلي في البلاد، ونتوقع أيضا أن تظهر نتائج هذا الأداء الايجابي على مستوى الخدمات وحركة السوق في العاصمة بغداد وعلى مستوى عودة الحياة الى بيئة العمل في المشاريع المتوقفة بعموم المحافظات خلال الستة أشهر المقبلة، ورؤيتنا هذه قائمة على أساس مسارات الأحداث التي أربكت المعطيات وصنعت النتائج في اطار صدمة التحول، لتكون الأزمات محض مراحل سقطت من الذاكرة لتصنع متغيرا في سياق المعالجات، ومنها؛ مثالاً، الجنوح نحو المديونية قبل إقرار قانون نصف سنوي لموازنة العام 2020. والذي لن يزيد في الصلاحيات وعلى ما يبدو أكثر من تنظيم في عمليات الرقابة على الصرف.