زيد الحلّي
كان مروري مصادفة صباح امس الاول الثلاثاء من امام الشارع العام لـ"علوة الرشيد" في الكرخ. وشهدتُ قبل الوصول الى مدخل الشارع، ازدحاماً شديداً.. تزاحمت مركبات الحمل الصغيرة، بشكل متنافر، واحدة تسابق الاخرى في مشهد يفتقر الى الذوق، وبعد لأي، وصلت الى مقدمة الشارع ، فتنفست الصعداء، آملا في اجتيازه وصولا الى البيت بعد ان اديت واجبا اجتماعيا في الحلة..
حين أحدثكم عن سبب ذلك الازدحام وتلك الفوضى ستصابون بالدهشة، إنها الطماطم أو (الطماطة). نعم انها الطماطة أو اللؤلؤ الأحمر كما يسميه علماء الاقتصاد الزراعي، آلاف الصناديق المملوءة بها، ينادي اصحابها بأصوات مبحوحة (الصندوق بألفي دينار) والصندوق يزن 20 كيلوغراماً، أي أنَّ الكيلو بمئة دينار!
استوقفني الأمر، ترجلت لأتأكد: هل ما اسمعه صحيح؟ فعلاً انَّ الأمر صحيح، ثم وأنا أتحدث مع أحد أصحاب المركبات، التف حولي العشرات، عارضين بضاعتهم بسعر أقل، عجيب، وحين سألت قالوا (إنَّ ما تراه الآن هو قليل من كثير، فالفلاحون تركوا حصاد الطماطة في هذا الموسم، لأنَّ أسعار الصناديق وكلفة النقل الى العلاوي لتسويقها أعلى بكثير مما يحصلون عليه).. لا إله إلا الله، قلت ذلك في نفسي، وتوكلتُ عائداً الى البيت وفي سري أقول: ترى لماذا هذه الحال، ولماذا نخذل الفلاح الى هذا الحد؟ من وراء هذا الخذلان؟
منذ مدة بعيدة، وأخرى قريبة، علت الاصوات ونادت واكدت ضرورة تشجيع القطاع الزراعي، فالأمن الزراعي لا يقل أهمية عن خطورة اي أمن آخر.. وقد أدى الفلاح العراقي امانته، برغم عدم وجود اي دعم من (الدولة) وشمّر عن ساعديه، واتجه الى ارضه مع اسرته، وحولها من جرداء الى خضراء منتجة، لكنه لم يجن شيئاً.. مع الأسف.
وأعود الى اللؤلؤ الأحمر، وأتساءل: ألم يكن بالإمكان أنْ تشتري وزارة الزراعة الفائض من محصول الطماطة بأسعار تشجيعيَّة، وتدفع بها الى معاصر محلية، يمكن توفيرها من القطاع الصناعي الحكومي والخاص لإنتاج معجون عراقي، وتقوم بتسويقه الى الاسواق. وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد.. تنمية لوارداتها، وتشجيعاً للفلاحين، ولمن يسأل عن الجدوى الاقتصادية لمعجون الطماطة، اقول ان العراق استورد من بداية هذه السنة لغاية العاشر من آذار الماضي من تركيا فقط ما قيمته 17 مليوناً و895 ألف دولار. (حسب وكالة ترك بريس)، ربما من بقية البلدان اضعاف هذا الرقم، علما أنَّ صناعة المعجون لم تصل بعد الى علوم الفضاء، بل هي بسيطة لا تتعدى معاصر، من (السل ستيل) وملحاً وقليلاً من المواد الحافظة!
ما أشرتُ إليه ينطبق على عشرات المنتجات الزراعية التي يوفرها الفلاح العراقي الكريم، لكنها تفتقر الى الحماية المطلوبة، كفى يا من بيدكم الأمر كفى، فلقد بلغ السيل الزبى، الباميا العراقية متوفرة لكنَّ أمامها المستورد، والرقي كذلك، والفاكهة العراقية بأنواعها متوفرة لكنَّ الأجنبيَّة تنافسها.
ألم تشبع البطون، ملايين الدولارات التي تذهب الى خارج الحدود شعبنا أحق بها.!