عبدالهادي مهودر
يتذكر العراقيون بتندر رخص سعر محصول الباذنجان أيام الحصار الاقتصادي إلى درجة اعتباره صديقاً للعائلة وأنَّ رخصه وتوفره للأسر الفقيرة بمثابة (موقف لا ينسى)، ففي وقت عبس الزمان بوجوه العراقيين كشف لهم الباذنجان كم أنَّ قلبه أبيض وكم هي الألوان والمظاهر خداعة والصديق عند الضيق، واليوم يتكرر الموقف نفسه مع محصول الطماطة في زمن فيروس كورونا مع فارق أنه محصول رقيق ومتصالح مع نفسه ولا يخفي ظاهره باطنه ويتعايش سلمياً (ويرهم) مع الكل بشكل يفوق نزعتنا الإقصائية الشهيرة.. أسواقنا اليوم يطغى عليها اللون الأحمر ويتسابق الباعة على عرض عدة كيلوغرامات بألف دينار فقط أو بما يعادل ربع دينار أو أقل من ذلك للكيلو الواحد، وهو انخفاض يشبه انهيار أسعار النفط العالمية، وهنا أعرب عن تضامني الشديد مع الزميل زيد الحلي الذي صدمه عرض الباعة (لعشرين كيلو طماطة بألفي دينار في علوة الرشيد) أي بمئة دينار للكيلو غرام الواحد، ومع ذلك لم يذكر في مقاله انه اشترى أما من هول الصدمة أو ربما توقع توزيعها مجاناً في اليوم التالي!.
المشكلة أنَّ محصول الطماطة لا يقبل الخزن وسرعان ما تذبل خدود (الطماطية) ولذلك كانت الأسر العراقية تلجأ لعصر الطماطة ونشرها تحت أشعة الشمس فوق سطوح المنازل، وكانت (الصينيَّة) المستوردة من الصين هي مصنع بيتي بسيط في أيام رخص المحصول ويغنيها عن شراء المعجون أو (عصير البندورة)، ومع ذلك تم تصنيع الصينية محلياً من دون تبديل لاسمها احتراماً لحق الملكية او اعتزازاً بعلاقاتنا التاريخيَّة مع الصين الشعبية التي تصدر لنا مشكورةً العقال العربي والدشداشة وما تحتها.
إنَّ لنعمة توفر ورخص محصول الطماطة وجهاً آخر وانعكاساً مقلقاً على مستقبل زراعتها في العراق حيث تكاد أنْ تذهب أموال المزارعين وجهودهم هباءً ويفقدون الجدوى الاقتصادية من زراعة هذا المحصول الذي يمتد كخط أحمر على طول الطرق الخارجيَّة ويباع بأبخس الأثمان من دون أنْ تستثمره الصناعات التحويليَّة، فضلاً عن أنَّ أسواقنا العامرة تغص بمعجون الطماطة المستورد من دول الجوار التي تقصفنا بالطائرات والمعجون ولا تحرص على حسن الجوار ولا نقابلها بالمثل وفق مبدأ تبادل المصالح المتوازن ولا نستخدم التجارة كورقة ضغط رابحة سلعة بسلعة ومحصول بمحصول (وقوطية بقوطية).
وفي بلاد الهلال الخصيب التي عرفت بزراعتها منذ آلاف السنين لا بديل عن تنمية الثروة الزراعيَّة العظيمة وتطويرها لأنها تحقق لنا أمناً غذائياً ومصدر رزق وفرص عمل ومورداً إضافياً للدخل الوطني إلى جانب النفط الذي أذلنا طويلاً وحولنا إلى دولة حزينة وبلا خزينة.
لا نعيب زماننا فالعيب فينا وفي سياساتنا الاقتصاديَّة منذ زمن الباذنجان الأسود، ولا نلوم تركيا على معجونها ولا الصين على صينيتها ولا السعودية على ألبانها وأجبانها ولا إيران على سجادها وغازها ولا نلوم أي جار على ما صدّر لنا من سلع ومواد غذائية بحكم المصالح المتبادلة وديمومة الحياة والقرب الجغرافي، ونلومهم فقط على ما جار وجرى ويجري خارج إطار حسن الجوار، وعلى العالم أنْ يعترف ويمنحنا شهادة أكثر دولة تخدم الدول المجاورة والشقيقة والصديقة وترعى مصالحهم وتشجع محاصيلهم الزراعية وصناعاتهم الوطنية مع خدمة الترويج لها في فضائياتنا الوطنية، والجار قبل الدار وغالي والطلب رخيص.