الرقم المتيقّن حتى كتابة هذه الكلمات، هو سقوط (166) قتيلاً في أديس أبابا بعد مقتل الموسيقي والمغنيّ الشاب هاشلو هونديس، وقد صرّح مسؤول الأمن في العاصمة أن رقم قتلى الاضطرابات مرشّح لكي يرتفع إلى الضعف.
قد ترتبط دوافع مقتل المغني الشاب التي قيل أنها لا تزال مجهولة أو غامضة، بالمشروع السياسي لرئيس الوزراء آبي أحمد، في السلام الأهلي، والدور الإقليمي المتحفّز لإثيوبيا، وسدّ النهضة، لكن ماذا بالنسبة لمصرع (38) إنساناً في جنوب السودان لاختلافاتٍ حول رعي المواشي؟
لم أكن قد خرجتُ بعد من صدمة هذين الرقمين، حتى دخلتُ بصدمة أرقام عالمية جديدة حول الإنسان، لم أعرف للآن المغزى من نشرها في هذا التوقيت بالذات. تفيد الأرقام الأممية هذه أن نصف مليون وفاة، هي حصيلة الحوادث المرورية حول العالم في المدّة من بداية عام 2020 حتى الآن، وان من مات بالملاريا في المدّة نفسها هم (346) ألف إنسان، وان أمراض السرطان حصدت وحدها (3) ملايين في الأشهر الستة الأولى من عامنا المنحوس هذا، يُضاف إليهم (400) ألف منتحر!
كنتُ مازلتُ أقرأ وأستعيد مدهوشاً أرقام ضحايا بعض الأمراض والحوادث المرورية والانتحار، حين فاجأتني نشرات أممية وتقرير بريطاني عن ما بات يُعرف بالتلوث البلاستيكي، وهو موضوع أعترف بأنني مهتمّ به في بلادنا؛ بعد الاستعمال المتصاعد للبلاستيكات في حياتنا اليومية منذ عقد ونصف حتى الآن.
من الأرقام الصادمة للأمم المتحدة، ان مليون قنينة بلاستيكية تُشترى كلّ دقيقة حول العالم، وخمسة آلاف مليار قنينة في كلّ عام، وان (300) مليون طن من البلاستيك يُنتج سنوياً، وهو ما يُعادل على ما قيل مجموع وزن البشر في العالم. وان أميركا وحدها تستعمل (100) مليون كيس بلاستيكي سنوياً، وتستهلك (500) مليون قصبة لشرب العصير يومياً، وسيبلغ رقم المستهلك من القناني البلاستيكية في العام المقبل (500) مليار قنينة.
هذه الأرقام تعني ببساطة وجود (13) مليون طن من النفايات البلاستيكية ترمى في البحار والمحيطات، وان ما يعاد تدويره من البلاستيك المستعمل لا يزيد في العالم برمته على 9 ٪، وان 91 ٪ منه تبقى جاثمة على الأرض وفي البحار والمحيطات، ما يؤدّي إلى تلوث قاتل، اذ يموت إنسان واحد كلّ ثلاثين ثانية أو نصف دقيقة نتيجة هذا التلوث، وان الهواء الملوّث بفعل عوامل عدّة، يحصد سنوياً أرواح (3,7) مليون إنسان، يموت خمسهم بالتلوث المنبعث من حرق البلاستيك، علماً بأن الأرض تستهلك نفايات الطعام والورق والأشجار وتهضمها خلال أسابيع، بينما يحتاج تحلّل قنينة واحدة من عبوات المياه البلاستيكية، إلى (120) سنة من الدفن والاندثار حتى تتلاشى!
ما دمنا في صدمة الأرقام فإن ما يرتبط ببلدنا منها، لا يقتصر على ارتفاع درجات الحرارة إلى (47) مئوية، وتصاعدها إلى نصف درجة الغليان في الأيام المقبلة، فهذا أمر متوقّع اعتدنا عليه، إنما الصادم منها إن بلدنا العراق سجّل مرتبة جديدة، بدوره في إنعاش الاقتصادات الهشّة والضعيفة والمنهارة من حولنا، فبعد دوره في إنعاش الاقتصاد السوري والإيراني والأردني، دخل اليوم في رقم قياسي جديد، على خطّ إنعاش الاقتصاد اللبناني، وعشتم سالمين!