بيتي على الحدود

آراء 2020/07/15
...

نوزاد حسن
 
منذ أشهر- بعد انتشار جائحة كورونا وأنا محاصر بسبب الإجراءات الوقائية التي اتبعها كطقوس لا يمكن التهاون في القيام بها. صارت جدران المنزل حدوداً فاصلة بين دنياي في البيت والعالم الخارجي. وكلما خرجت لشراء ما نحتاجه من أشياء شعرت وأنا أعبر باب المنزل بأني ادخل في حدود دولة أخرى وصلتها منذ دقائق. اغلق باب المنزل ورائي، وانظر الى الشارع الفارغ إلا من بعض المارة، وافكر هل أنا في مكان آخر جديد لم أعرفه من قبل.
 في الواقع أن أشهر بقائي في البيت أعطتني شعورا قويا بأن هذه الجائحة غيرت حياتنا الى درجة كبيرة. ولعل اول علامات هذا التغيير هو فقدان اصدقاء واحبة لنا. ومن المؤسف ان وضع الجائحة ما زال خطيرا. وعلينا أن ننتبه جيدا كي لا نتعرض للإصابة.
 قلت بدأت أحس بأني حين أخرج، وأراقب تفاصيل الحياة من حولي يسيطر عليّ شعور قوي بأني أتعرض الآن لنوبات قوية من الحنين الى الوطن، والى بغداد بصورة خاصة.
 في السابق كنت أتخيل شعوري حين سأترك هذه المدينة التي أحبها جبرا حبا شديدا. أتخيل نفسي في مكان آخر بعيد، وأنا اتذكر من هناك، من غربتي الشوارع التي احبها. صخب يوم الجمعة في شارع المتنبي، جلستي احيانا في شهر تشرين الثاني تحت تمثال الرصافي. وقوفي فوق جسر الشهداء او جلسة قرب تمثال المتنبي. كنت في واقع الحال أحاول تخيل هذه الصور في حال هاجرت من وطني. هذا ما كان يحدث قبل كورونا. كنت أتمرن جيدا على مواجهة أجواء المنفى.
 لكن في هذه الأيام فرضت علينا هذه الجائحة نمطا جديدا من الحياة. هذا النمط الجديد لا يختلف في قسوته عن شعور أي شخص يترك بلده ويغادر بعيدا.
المنفى إذن اكتملت أركانه من حولنا. ان كل ما كنا نعيشه في السابق توقف الى وقت آخر. كل ما كنا نقوم به لم يعد موجودا. ثم حاصرنا شبح الاصابة وهي اصابة قاتلة. وهكذا انسحبنا واحسسنا بمعنى المنفى الحقيقي. وكان علينا أن نخترع حياة بديلة أخرى تحل محل أيامنا قبل هذه الجائحة.
لكن ما الذي دفعني للحديث عن تجربتنا بعد كورونا بهذا الشكل؟ أجيب أن ما دفعني هو ان كثيرا من الاصدقاء بدؤوا ينشرون صورهم في الأماكن التي تحدثت عنها قبل قليل. وأظن ان شعورا بالمنفى الجديد هو ما يدفعهم لنشر ذكرياتهم هنا وهناك معلقين عليها بجملة قصيرة مثل هذه العبارة: الصورة قبل كورونا. ألا تعني هذه الجملة أننا فقدنا شيئا ما نحاول استعادته بأي شكل من الأشكال لكن من دون جدوى.
شخصيا لم أكن أظن أن العالم يمكن ان يتعرض لحصار غريب بهذا الشكل. ولا اظن ايضا ان هناك من كان يتوقع ان فيروسا صغيرا سيقلب حياتنا رأسا على عقب كما يقال.
أقصى ما كنت أتوقعه هو تعرض افريقيا لأوبئة وهذا شيء اعتدنا على سماعه، ثم ينسى بعد فترة. لكن ان تكون صورة العالم كمال نراها الآن فهذا ما لم يتصوره أحد على الاطلاق. لأقل أننا في عالم آخر.