الكتابة في {جمرة القيظ}!

الصفحة الاخيرة 2020/07/16
...

زيد الحلّي
 

نستضيف او تستضيفنا حالياً "جمرة القيظ"، وكأن الاستضافات المزعجة قدرنا.. لا اله إلا الله. فمنذ امس الاربعاء، بدأت ملامح هذه الجمرة غير المرحب بها تقض مضاجع المواطنين متزامنة مع انقطاع التيار الكهربائي في العديد من المحافظات، بضمنها بغداد، وسط تبريرات حفظها المواطن جملة وتفصيلاً.!
وبدءاً من اليوم "الخميس" سنشهد ارتفاعاً متصاعداً بدرجات الحرارة وسكوناً بالرياح السطحية، ودرجات الحرارة ستبقى على عنادها ولن تتنازل عن خمسين درجة مئوية، ويرشدنا مختصون الى عدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة لمدة طويلة، وشرب السوائل بكثرة لا سيما المياه، وعدم الجلوس في الأماكن المغلقة سيئة التهوية، وقيادة المركبات بهدوء في الصباح الباكر، وعدم ترك الأطفال داخل السيارات المغلقة أثناء فتح التكييف.
تأثيرات شدة الحر الصحية على الانسان عديدة خصوصاً على العاملين في الاماكن المفتوحة، مثل عمال البناء ورجال المرور والفلاحين وغيرهم من شرائح المجتمع، وايضا تأثيراتها النفسية واضحة على المبدعين في مجالات الكتابة والنشاط الفكري، شخصياً جربتُ الكتابة في جو "جمرة القيظ" لكني حين كتبت سارعت بعد لحظات الى تمزيق الصفحة تلو الأخرى، هربت الكلمات مني حينما أكون في أمس الحاجة لها والحروف تنهزم من ذاكرتي، وقلمي أصبح عاجزاً عن تلبية أوامري، وأوزاني أصبحت مكسورة وحروفي أجدها مبتورة، وربما مشوية في (جمرة القيظ) فأسرع الى غسل ما تعلق في مخيلتي من أفكار، مشيّداً دون إرادتي حائط صد لما أريد الكتابة حوله، إنه الحر، نعم إنَّ حرارة الجو التي تلفنا شبيهة بالأثير الذي يتوارى خلف ضلوع الأسرار، ماحياً كل أثر كان يوماً فوق الجـدار ويكتم اللوعة في صمت، ثم يدفن بقايا الأفكار في عمق جراح البوح!
مرات أسأل نفسي، كيف يتماهى الإنسان حياتياً وهو يعيش لصيقاً بدرجة حرارة تقارب (نصف درجة الغليان) مع موجة وباء أسود؟ أكيد سيكون مع الأذى والعصبية صنوين لا يفترقان.. والحق معه، فلطاقة الإنسان مساحة من الصبر وحين تتجاوز تلك المساحة حدودها فإنّ الامور تخرج عن سياقاتها المعروفة، فليغفر أحدنا للآخر إنْ بدرت منغصات ليست على البال، فالحر الشديد مصحوب بانقطاعات الماء والكهرباء والبحث عن لقمة العيش وسوء الخدمات يتسبب في فقدان التوازن النفسي، فالشمس الحارقة تزداد توهجاً وسطوعاً وترسل سياط لهيبها موجعة للأبدان، فيهرب الناس منها يلتمسون الظل الظليل والماء البارد والهواء المنعش، ولكنْ ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وتلك هي أم المصائب!
لقد هربت مني الكلمات باحثة عن برودة وهواء منعش، وعصافير تزقزق وزهور ملونة في الحدائق، وأعتقد أَّن القارئ مثلي لا يلفت نظره موضوع جدي ولا يتفاعل مع قضية مهما كانت مهمة، فعند درجة حرارة تتجاوز الخمسين تتضاءل كل الأفكار مقابل نسمة هواء عليلة.
إنَّ هموم المواطن في هذا القيظ وتكاثر أخبار الإصابات بكورونا كثيرة، وهي هموم تشبه المرآة تنكسر من أصغر حجر يضربها، ولا أريد أنْ أكون ذلك الحجر، ومع هذا الاعتراف تجدني أهرب من كلمات همسي الى كلمات صراخي، وبالله نستعين.