دروس كورونا (2)

الصفحة الاخيرة 2020/08/12
...

حسن العاني 
 
لا خلاف على أنَّ وباء كورونا كان شديد القسوة على شعوب المعمورة.. صحتها.. اقتصادها..عملها.. تقدمها.. و.. ومئات الآلاف من الأرواح التي حصدها بسرعة البرق.. ومع ذلك، ومع الحزن العظيم الذي أدمى القلوب لوداع ابن أو زوج أو أم أو أب أو أخ أو صديق أو عزيز أو رمز، إلا أن كورونا كانت تطبيقاً عملياً للقول المأثور (رب ضارة نافعة).
صحيح لا نفع يرتجى من مرض أو انكسار أو أذى أو هزيمة، اللهم إلا الانتفاع من الدرس، وربما الدروس، طالما الحياة ليست شهراً أو عاماً، أو قرناً، بل هي الدوام كله والمستقبل المفتوح على مئات الأحداث والحوادث المتشابهة!!
إذنْ فهي ليست دعوة لتعليق نوط الشجاعة على صدر كورونا احتفاءً بجرائمها ضد الإنسانيَّة، إنما هي أمنية لوضع اليد على الإيجابيات التي يجب أنْ نتعلمها من هذه الهزة العنيفة، وفي المقدمة منها أنَّ كورونا قالت لنا: النظافة عنوان الصحة والعافية سواء بوجود (الجائحة) أم في غيابها، وإذا تعلمنا من أدبياتنا الدينيَّة أنَّ النظافة من الإيمان، فإنَّ أدبيات العصر لم تخرج عن هذا المعنى وهي تؤكد أنَّ النظافة سيدة العناوين الحضاريَّة والجماليَّة، ولو خطونا خطوة أوسع لاكتشفنا بأنَّ (نظافة الأعماق) الروح والقلب واللسان والنوايا هي التيجان التي تزهو بها نظافة المنزل والوجه واليد والجسد كل لحظة وساعة ويوم ومدى العمر..
وأنا أتابع باهتمام أخبار كورونا وأعراضها وعلاجها وأساليب الانتصار عليها عبر هذه الفضائيَّة أو تلك، وقفت على إشارة بالغة الأهمية، ومفادها باختصار شديد: إنَّ ضحايا كورونا شهداء..
هذا العنوان عليه إجماع ديني، وعليه أحاديث نبويَّة شريفة تعزز صحته.. ترى هل ابن من أبناء آدم مخلد في الدنيا؟ وهل أحد خارج دائرة الموت؟ ثم هل هناك طموح أو شرف أعلى من طموح الشهادة وشرفها؟ كورونا من حيث لا تعلم ولا تقصد جعلت ضحاياها يحظون بحياة جديدة معطرة بالشهادة، وتسكن في الجنة مع الأولياء الصالحين..
أعرف كما يعرف الجميع أنَّ هذا الوباء عدائي ظالم ويفتقر الى أدنى مقومات الإنسانيَّة لأنه لا يرحم طفلاً ولا عجوزاً ولكنه لفت انتباه من انتبه إليه من الناس، إنه (عادل) مع كل هذه السلسلة الطويلة من التوابيت والحزن والألم، كورونا عمياء وهذا سبب عدالتها، بمعنى أنها لا تريد أنْ تكون كذلك، بل هذه هي طبيعتها وأقرب الأدلة على ذلك أنها لم تختر على هواها، الشهداء من القوميات والأديان والمذاهب من دون استثناء، من الفقراء والأغنياء من الأمي الى الدكتوراه، من النساء والرجال، ومن.. وهذا أبلغ درس قدمته هذه الجائحة لنا، وليس عيباً لو أخذنا درس العدالة من الخصم حتى لو كان الخصم نذلاً مثل كورونا..