عمشة الطويلة وهذا ليس اسمها الحقيقي فقد وضعت أنا هذا الاسم خوفاً من التأويل، عمشة فتحت عينها فوجدت أنها نمت وترعرعت في منطقة الميدان، كان لها من الحسن والجمال الكثير وبخاصة طولها الفارع، لذلك أطلق عليها عمشة الطويلة، منذ نشأتها وجدت العيش الرغيد تحت ظل عماتها لأنها تعدُّ مصدراً للرزق (الحلال)، فطنت على حياتها مبكراً وتساءلت ذات يوم من سيقف معي إذا ما داهمتني الشخيوخة؟ ومنذ تلك اللحظة أوجدت لنفسها خلسة صندوقاً لجمع النقود، (قاصة)، كانت عمشة دائماً تردد الجملة الأولى من أغنية زكية جورج (طير لاتوكر انصحك طير)، احتار الناس في سر ترديد عمشة لهذا المقطع بالذات، وحينما تسأل عن السبب تجيب بالجملة عينها (طير لاتوكر انصحك طير).

عمشة وجدت نفسها يوماً تصرخ بأعلى صوتها بعد أنْ جاءها المخاض، جاءت الجدة، جاء الولد السعد، ابن من هذا الولد، الأحسن ولد؟

لا أحد يعرف، تبرع أحد المحسنين فسجله باسمه، عمشة كانت ترغب أنْ يكنى الولد باسمها كما كانت تفعل العرب في أيام السطو والغزو والشعر وغرام الصحراء وهو أنْ يسجلوا أسماءهم بأسماء أمهاتهم, حصل لعمشة ما أرادت وظل اسم الفتى غامضاً عن الكل، إذ أصبح يكنى باسم ابن عمشة الطويلة، حتى أنَّ مديريَّة الجنسية تحفظت على اسمه نظراً للتهديد والوعيد الذي كان يأتي من شباب الجنسية الذين كانوا يأمون جنة عمشة الطويلة.

مرَّ الزمان وشاخت عمشة وما زالت تردد مقدمة الأغنية، تبدل حالها وأصبحت هي مسؤولة عن (صبايا الحي) فزاد رصيدها في قاصة مدخراتها كثيراً، عمشة كانت تحب سباق الخيل (الريسز)، إذ ما أنْ تشاهد فرساً يعدو حتى يرف قلبها وتروح بغير وعي منها تردد الأغنية نظراً للسحر الذي تتحلى به الخيول أثناء 

الجري.

صباحاً وجد الجميع أنَّ عمشة قد اشترت حصاناً أدهماً اسمته (الطياري) وسجلته في سباق الخيل (الريسز)، لكن من سيكون لها مخلصاً (وللطياري) غير ابنها، ابن عمشة الطويلة؟ لذلك جاءته بأحسن مدربي خيول وفي فترة قياسيَّة لم تتجاوز الأشهر الستة تخرج ابن عمشة وراح يصول ويجول في سوح الوغى (الريسز)، أنتم تعرفون في كل الألعاب الاجتماعية والرياضية وحتى السياسية يوجد هناك غش،لذلك وجدت عمشة فرصتها في الغش والمراهنة والتلاعب بنتائج الفوز وأصبحت بين ليلة وضحاها من أصحاب الأموال والعقارات، حصانها الطياري الأدهم كانت له ميزة عجيبة فهو انْ تقدم الخيل ولم يرفع (ذيله) هذا يعني أنه خاسر لا محال، والعكس ايضاً، أي أنه حينما يكون في المؤخرة وجاءته (الحنكريصة) أو الإشارة من الجاكي ابن عمشة, فإنه بلكزة واحدة يرفع الطياري (ذيله) وينطلق متجاوزاً كل الخيول، في هذه الأثناء يهرع كل المتراهنين الى شباك التذاكر يراهنون على الطياري، يصل أخيراً الطياري وعلى ظهره الجاكي ابن عمشة نهاية المضمار بازاً الخيول كلها وليفوز فوزاً وليدفع كل الرابحين في نهاية السباق الى رفع الجاكي ابن عمشة على اكتافهم وهم يهتفون (شحلو من يرفع شليله، حصان ابن عمشه الطويله)، وخلف موكب المتظاهرين تجلس عمشة داخل سيارة فارهة تردد (طير 

لاتوكر انصحك طير).

الأكثر عجباً أنَّ عمشة الطويلة لا تزال هي وولدها على قيد الحياة وتسكن في قصر منيف وشارع طويل عريض موجود باسمها، وقد أبدلت لعبة سباق الخيل بلعبة أخرى تدر ربحاً وفيراً، في لقاء أخير لعمشة مع الكثير من الفضائيات رفضت فيه التصريح بحجة توعك المزاج نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد واكتفت بالأغنية التي أصابت فيه الشارع بالعدوى فراح يرددها من دون وعي منه.

عمشة الشخصية الوحيدة وعلى مر الأزمان والأحقاب كانت تعرف من أين تؤكل الكتف لكنَّ لغز ترديدها مقطع أغنية زكية جورج (طير لاتوكر انصحك طير) لم يحل ساعة إعداد هذه (الجنجلوتية) والله 

أعلم.