من شارع الصحافة

الصفحة الاخيرة 2020/08/17
...

عبدالهادي مهودر
خريجو كليات الاعلام الذين يصدح صوتهم مطالبين بحق العمل  قدموا درسا تطبيقيا على الأرض لما تلقوه من نظريات في قاعات الدرس فكانوا الخبر الصحفي واستفهاماته وشروطه وعناصره وأنواعه ومانشيته ومقدمته ومتنه وخاتمته، وكان الصحفي هو  الخبر هذه المرة والباحث عن مصدر رزق ودار سكن في شارع الصحافة.
ومشكلة خريجي الإعلام وإن كانت تتعدى طلب التوظيف الى الرغبة بالمشاركة في بناء البيت الصحفي، لكن هذه الدفعات المتتالية من خريجي كليات الاعلام غير محظوظة، فقد ترافق تخرجهم مع توقف معظم الصحف عن الصدور وتراجع قدرات وسائل الاعلام على الاستيعاب وفي ظل مشكلة المحسوبية في التعيينات والتضخم بأعداد الموظفين على حساب الحاجة والكفاءة والتخصص وأزمة مالية خانقة مما زاد من معاناتهم وقلل فرص العمل أمامهم خلافا لدورات واكبت الولادات الانفجارية للصحف والفضائيات ووكالات الانباء بعد عام  2003 وصدور نحو 200 جريدة ومجلة وعدد كبير من القنوات الفضائية ومجموعة من الفضائيات العربية والإقليمية التي تأسست على هامش أحداث العراق ولمع على أرضه مراسلوها العراقيون والعرب والأجانب الذين وجدوا فرص العمل وحققوا الشهرة انطلاقا من ارض العراق وميادينه الساخنة التي تصنع النجوم ، يضاف الى ذلك ان الاعلام هو المهنة التي تفتح ابوابها لأصحاب التخصصات الأخرى، حيث تجتذبهم المؤسسات والمكاتب الاعلامية ويتقاسمون فرص العمل مع خريجي كليات الإعلام ، وأمام التوجه الكبير نحو العمل في المجال الاعلامي كان متوقعا لحركة الاصدارات الواسعة في العراق أن تنمو وتستمر وتستقر لكن الرياح أتت بما لاتشتهي السفن في البيت الصحفي العراقي حيث تلاشت تلك (الفورة الصحفية) ولم يتبق في شارع الصحافة العراقية إلا عدد محدود من الفضائيات والصحف الحزبية والخاصة او الأهلية التي تعمل بالحد الأدنى من المحررين والأجور وبشكل لا يتناسب مع العدد الهائل من خريجي كليات الاعلام التي أنشئت حديثا من دون خطط استيعابية لمخرجاتها، وبدل إنشاء مؤسسات صحفية كبرى تم تأسيس كليات اعلام عديدة لا تخطط لمستقبل خريجيها، ثم أتت الصحافة الالكترونية لتقضي على الصحف الورقية وتقلل فرص العمل فيها، ويمكن  للصحيفة الالكترونية الواحدة أن تستمر بمحررين أو ثلاثة وتكتفي بمشاركة زملاء المهنة نشر مناشداتهم بتوفير فرص العمل، لكنها تعجز عن ضمهم وتشغيلهم لعدم الحاجة لعدد كبير من المحررين.  
وفي كل عام تتخرج دفعات جديدة من الإعلاميين مع تناقص عدد وسائل الإعلام وقلة الفرص المتاحة امامهم سواء في التوظيف والعمل بالمؤسسات الحكومية الرسمية او القطاع الإعلامي غير الرسمي المحكوم بالانتقائية والاختيار المشروط بالانتماءات الطائفية والولاءات السياسية والحزبية، في وقت لاتتوفر لهم فرص كافية للعمل بمكاتب الإعلام في وزارات الدولة ومؤسساتها، على الرغم من الحاجة المستمرة لهذه المكاتب لتطوير أدائها وضخ دماء جديدة في مفاصلها، ويبقى غياب الاستقرار بعمل وسائل الإعلام العراقية علامة فارقة وعامل قلق مستمر  ومصدر رزق غير مضمون ، فنادرا ما تستمر وسيلة إعلام من دون تهديد بتخفيض أعداد العاملين، بل ان الصحافة في العراق هي حلقات متقطعة تنتهي بانتهاء كل عهد سياسي لتبدأ من الصفر مرة أخرى لكونها صحفا مملوكة او مسخرة للأفراد وليست للدولة، واذا كانت الصحف ووسائل الإعلام العالمية تحتفل بيوبيلها الفضي والذهبي، فإن صحفنا ووسائل اعلامنا كافة تحتفل بعمرها الزائل القصير و بذكراها السنوية غير مصدقة باستمرارها مدة عامٍ كامل ولا بد إذاً من الاحتفال السنوي والتقاط الصور وتلقي التهاني وباقات الورود فقد يكون الاحتفال الأخير قبل أن تغلق أبوابها وتترك أبناءها.
(كيف ذاك الحب أمسى خبرا..).