بغداد/ فاطمة رحمة
أعاد الحظر الصحي، جلسات المساء الى الأحياء السكنية في بغداد والمحافظات، حيث يلتئم رجال الحي وشبابه حول لعبتي "النرد" و"الدومينو" الشعبيتين، ودخان النارجيلة يحوم فوقهم.
تلافياً لأزمة "كورونا" وقرار منع التجوال حرص الأهالي على تنظيم جلسات يومية أمام منازلهم أو في الحديقة، تخفيفاً لضغط الفراغ، مقتعدين كراسي أو متبسطين على حصران أمام المنازل أو في الحدائق الداخلية للبيوت ملتزمين بعددٍ معين من الأصدقاء الذين تراهم يرتدون الكمامات والقفازات حسب إرشادات خلية الأزمة.
أصوات ضرب "صايات" الطاولة وأحجار "الدومينو" وخشخشة تدحرج "الزار – الزهر" اجتذبت "الصباح" فدارت بينهم في جولة ليليَّة، إذ قال كرار محمد: "أنا من منطقة الحرية أجيء يومياً الى بيت صديقي سلام في حي العدل، وهو مكان نتجمع فيه نحن الشلة المتكونة من خمسة أصدقاء"، مؤكداً "نبدأ اللعب بعد الثامنة مساءً مستمرين الى الحادية عشرة ليلاً بشرط أنَّ من ينضم إلينا يكون مرتدياً الكمامات ويلتزم بإرشادات السلامة".
أضاف خالد: "يومياً أحضر حلويات معي الى بيت سلام، بقلاوة وكرزات ومشروبات غازية، يتوزع هذا الدور علينا كلنا وبعض الأحيان يجلب كل واحد منا شيئاً بالاتفاق".
تابع سلام ويسمونه (المقر): "كورونا لها الفضل في هذه اللمة الحلوة التي أعادتنا الى أيام الجلسات والحكايات وشوفة الأحباب". أشار "كنا لا نلتقي إلا بين الحين والآخر؛ بسبب مشاغل الحياة، لكنْ الآن أصبحنا نلتقي يومياً نتحدث ونلعب ونتناقش ونتبادل الآراء في شؤوننا الشخصيَّة".
افترش أربعة من شباب "الوشاش" الأرض، يلعبون الدومينو، ليخلى أحد الشباب واسمه حسين مكانه لي مقدماً الشاي المهيل وأخبرني أنهم يجلسون بشكل يومي من التاسعة مساءً حتى وقت متأخر من الليل.. لا على التعيين"، موضحاً: "خلال الجلسة يقدم المضيف الشاي والحامض - نومي بصرة" أو أي شيء من الزهورات"، إذ بين حسين "مللنا المشروبات الغازية والعصائر الصناعية وبالرغم من حرارة الجو لكنَّ الشاي يعطي نكهة أكبر
للجلسة".
لفت سنان: "أغلبنا عزاب، نقضي وقتنا في الدومينو والطاولة و"حية ودرج" التي غادرناها منذ زمن بعيد وأصبحت شبه منقرضة". مفيداً: "إنها ألعاب شعبية جميلة، تسلينا ببراءة خلال الحظر بنوعيه، الجزئي والكلي، خاصة بعد أنْ أقفلت المقاهي التي كنا نلتقي فيها".
نوه جلال "هذه الكعده تريح الأعصاب برغم دوشتنا وصياحنا لكنها بعيدة عن الموبايل واللابتوب والالعاب الالكترونية المملة، والفيسبوك ودوختها، هنا تجد نفسك مع الاصدقاء نتسامر ونضحك ونتبادل الرأي وجهاً لوجه بعيداً عن شاشة الانترنت المزعجة".
سرنا في شارع آخر من "الوشاش" لنجد تجمعاً نظيراً خاصاً بكبار سن حول جذع شجرة أخبروني: "هذا الجذع موجود هنا منذ تسعة أعوام، ونحن نحب الجلوس حوله، متبادلين الحكايات القديمة ونتذكر العسكرية التي كنا مواظبين عليها وايام التقاعد".
ذكر أبو طلال: "سابقاً في كل منطقة مجموعة من "كهاوي" شعبية، الآن استبدلت بجلساتنا هذه التي نقاوم من خلالها كورونا".
أخبرنا شاب "بعد أزمة كورونا سنستمر بهذه الجلسات؛ لأنها بحق توطد العلاقة بين الاصدقاء الذين أبعدتهم مشاغل الدنيا واكتفوا بالفيسبوك والموبايل، من يريد أنْ يرى صديقه يفتح كاميرا، للأسف حدث جفاف في العلاقات".