حسن العاني
لعلَّ البطاقة التموينية هي الظاهرة الابرز في مرحلة "الحصار" التي شهدها العراق في تسعينيات القرن الماضي، لأنها قبل اي اعتبار آخر تتعلق بحياة المواطن المعيشية والاقتصادية ، ولهذا كانت على الدوام واحدة من احاديث الناس وانشغالات وسائل الاعلام ، وعلى الرغم من الرضا الشعبي العام عن عدد مفرداتها وجودة موادها وانتظام وصولها ، الا ان اشكالية هنا او هناك يمكن ان تدفع المستفيدين منها الى رفع اصواتهم بالتظلم او التشكي او ابداء الملاحظات والمقترحات التي يمكن ان تنهض بالبطاقة نوعاً وكماً واداء...
في عام لا اذكره من اعوام الحصار كتبت تحقيقاً ميدانياً لصالح مجلة (الف باء) حرصت ما وسعني الحرص على ان يكون حيادياً وموضوعياً ، حيث استمعت الى اطراف البطاقة الثلاثة (المواطن والوزارة والوكيل)، وحاورتهم بأعلى درجات الشفافية، مع ان الشفافية لم تكن متداولة او معروفة في ذلك الوقت!
زميلي الفنان المبدع خضير الحميري انجز مجموعة رسومات كاريكاتيرية للتحقيق ، وكنت مع الحميري نمثل حالة استثنائية في " الف باء" من حيث الاعمال المشتركة بنسبة قد تصل الى 95 % بين رسوماته وكتاباتي ، ولكن الجدير بالإشارة هنا ، ان التحقيق لم يظهر باسمي ، وانما بأحد الاسماء المستعارة التي كنت الجأ اليها – وهي كثيرة - على غرار عبد الله العراقي، خلود الدايني ، بكر علي عبدالله ...الخ وذلك تجنباً لعدم تكرار اسم (حسن العاني) في المجلة لأكثر من مرة.
وهكذا ظهر التحقيق باسم (أيمن حبيب العمر)، ويبدو أنَّ السيد وزير التجارة قد اعجبته المادة المكتوبة والرسوم عن البطاقة، فقرر ( تكريم) الكاتب والرسام وكلف احد موظفي مكتبه للاتصال بالمجلة واستدعاء الحميري وانا معه للحضور الى الوزارة وتسلم تكريمنا منه مباشرة.. وتم تحديد الموعد واليوم وهو يوم صيفي شديد الحرارة...
وفي اليوم والموعد المحددين توجهنا الى مبنى الوزارة، وكان الحميري طوال الطريق يتمنى ان يكون التكريم ( جيداً ) لأنه منذ (6 اشهر) وهو يحلم بشراء بدلة لا غنى عنها في المناسبات لرجل اعلامي بمنزلته ، وكنت أتمنى كذلك ان يكون التكريم جيداً فانا منذ (6 سنوات) اواعد زوجتي على سهرة خارج المنزل وتناول العشاء في مطعم ست نجوم ... حين وصولنا فوجئنا بعدم وجود الوزير الذي ترك لنا اعتذاراً مهذباً ووعدنا بلقاء آخر ... قدم الحميري نفسه وقدمت نفسي ( حسن العاني) وسألنا موظف المكتب عن ( الاستاذ ايمن حبيب العمر.. لماذا لم يحضر معكما ..مع ان معالي الوزير رغب بحضوره شخصياً ) ، فقلت له (مع الاسف .. الاستاذ ايمن لم يستطع الحضور بسبب ظرف طارئ وانا حضرت مكانه لتسلم التكريم ) ولم يكن من الصعب التعرف على إمتعاضه .. مع ذلك اعطى لكل واحد التكريم الخاص به ، والتكريمان كلاهما شيء واحد "بطانية" في عز الصيف وحرارته ... يا الهي كم غلبتنا روح المزحة الساخرة من البطانية التي لم نعرف قدرها ولا اهميتها الا بعد بضعة اشهر يوم زارنا شتاء جعلنا نترحم على الوزير ومخترع البطانيات!!