ريسان الخزعلي
الشاعر المبدع/عبد السادة العلي/ من شعراء الموجة التجديدية في الشعر الشعبي العراقي، تلك الموجة التي جاءت امتداداً طبيعياً لما أحدثه الشاعر مظفر النواب من تحولات فنيّة وجمالية غير مسبوقة في نهاية الخمسينيّات من القرن الماضي، إذ الجديد والمُحدث على مستوى: البناء والرمز والتشكيل الصّوري واكتشاف الطاقة الكامنة في المفردة الشعبية والموضاعات التي تخطت المتداول والمتكرر.
أدرك الشاعر (العلي) تلك التحولات وتفاعل معها بخصوصية منذ منتصف الستينيات وباصطفاف مع العديد من مجايليه، وقد اظهر خصوصيته في قصائد نُشرت في الصحافة العراقية وأُذيعت من خلال برامج الشعر الشعبي في حينه.
وحينما تنامت التجربة اصدر مجموعته الأُول (سواجي وعطش) عام 1974 مصحوبة بدراسة مهمّة كتبها الشاعر/شاكر السماوي/. وقد مال الشاعر الى العزلة عن الاضواء منذ عام 1978 نتيجة الظروف السياسية المعروفة. وبعد عام 2003 أصدر أعمالاً مهمة: مفاتيح الشمس، كَضبة ريح، من فنون الادب الشعبي، كما صدر له كتاب نقدي بعنوان (محطات نقديّة في شعر عبد السادة العلي، من إعداد تميم سلام العلي)، أسهم فيه شعراء ونقاد معروفون، والشاعر من بين المشاركين في مجموعة (قصايد للوطن والناس) عام 1974
.
في دراسة الشاعر شاكر السماوي الموسومة (عن القصيدة الشعبية والسواجي والعطش)، جرى الكشف عن تحولات القصيدة الشعبيّة من خلال مجموعة الشاعر (سواجي وعطش)، وكان للدراسة وقعها المؤثر في مشهد الشعر الشعبي وأثارت العديد من الأسئلة، إذ لم يسبق للسماوي ان كتب مقدمة – دراسة لأي شاعر قبل العلي، فضلا عن ماتضمنته من تشخيصات ذوقيّة ونقديّة لفتت اليها الانتباه
الحاد.
في هذه الاشارة لا يسع المقام لعرض تفاصيل الدراسة، إلّا أنَّ المهم في ذلك، هو ما آلت اليه الخُلاصة في توصيف الشاعر وشعريته وشاعريته:
إنَّ هذه المجموعة الشابّة من القصائد تتقدم لتضع أمامنا شاعراً نحسّهُ -من خلالها- شخصاً لا يفتعل احاسيسه أو يستعير مماثلاتها، ولا يتقمص (المودة)، ولا يقوقع همومه وخصوصياته وتعابيره في قوالب لاءمت خالقيها وظروفهم، بل جاءنا طبيعيّاً بهمومه ومعانيه وعواطفه وممارساته المتحفزة للأفضل، منتفعاً بعضوية وتمعّن من خِبَر الآخرين ومعطياتهم دونما مغالطة وتسطح في منزلقات ومخاتلات التأثير والتأثر. فقصائده هويته الشخصية وخط نموّه الشعري، يُقدّم لنا روحيّته التي يسهل علينا رصدها في تأرجحها بين الطلاقة والتزمت، بين الخيبة والتطلّع، بين الحداثة والعموديّة، بين الرغبة والترفّع، بين السكون والجدليّة، فهو يتدفق بالتطلّع ليصبو لآفاق تزدان بالرغبة والتواصل، وتزهر بالفعل والتغيير الأنقى.
ماجاءت به مقدمة – دراسة الشاعر السماوي- ماهو إلّا تأكيد مُبكّر عن خصوصية الشاعر "عبد السادة العلي" في مشهد الشعر الشعبي العراقي الحديث، هذا الشاعر الذي يواصل حضوره وانتاجه بدراية وتمعّن، غير ملتفتٍ الى اضواء استنزفت اللاهثين اليها، لكنّه يتطامن بعزلة شعرية منتجة لجمالٍ خاص.
لو شهرزادك..
باتت إوياهه الشمس..كَلبي بعد شيليّل..؟! ...