صراخ وشتائم ومفردات أجنبية.. حروب الكترونية تداهم منازلنا

ريبورتاج 2020/09/16
...

  بغداد: فجر محمد
 
صراخ وشتائم ومفردات انكليزية اكتظت بها البيوت، اذ لم تكن هذه الاصوات بسبب الواجبات المنزلية او الاعمال، بل كان هذا التواصل المزعج بسبب الالعاب الالكترونية التي سيطرت على كل شرائح المجتمع ولم يسلم منها احد، وبعالم افتراضي يتسم بالعنف ولغة القتال والاسلحة
 وما ان تسمع بكلمة (بوشنكي، كلان،سيب فاير)، تعرف حينها بأن هذه الالعاب هي سيدة الموقف، ولا كلام فوق وجودها، وما أن ينتهي هذا الصراخ يغلب الاعتكاف والانعزال على المستخدمين بشكل اقرب مايكون للمرض.
صراخه واستخدامه المصطلحات العسكرية من اسماء الاسلحة والمعدات الحربية كان يسيطر على اجواء المنزل بشكل كبيرومزعج، اذ لا يستطيع احمد يوسف (13 عاماً) أن يبتعد عن شاشة هاتفه المحمول اواجهزته الذكية كالايباد والتاب للحظات قليلة، وترك لعبته المفضلة (الببجي) التي تسيدت هواتف اغلب المراهقين والشباب اليوم، وقد بدا منغمساً فيها بشكل مبالغ فيه.
 
هوس
تقول لنا والدة  الشاب احمد وبملامح تتسم بالغضب والانزعاج:"منذ أن قام ولدي بتحميل هذه اللعبة العسكرية وهو لا يفارق هاتفه المحمول، ولا اجهزته اللوحية الذكية فقد اصبحت بمثابة هوس لاينتهي بالنسبة له، وليس هذا وحسب بل ان صراخه وانعزاله لساعات طويلة داخل غرفتها صبحا امرا يثير السأم والضجر لدى افراد الاسرة جميعا، حتى بدأنا نشعر وكأنه يخوض معركة حقيقية، ناهيك عن انتهاك الخصوصية، بسبب وجود خاصية اللعب المباشر عبر الشبكة العنكبوتية التي تتيح له التحدث مع الاخرين بصورة مباشرة، اذ يسمعون كل ما يدور في الغرفة التي يلعب فيها".
 
اختيار الألعاب
من المفترض أن يكون لكل اسرة قانون خاص بها في اختيار اولادها للالعاب، والتي تناسب شخصياتهم وبيئتهم الثقافية والاجتماعية،ولكن من وجهة نظر الباحث بالشؤون الاجتماعية والنفسية والاكاديمي ولي الخفاجي فان غياب البديل الحقيقي والمتسم بالثقافة عوضاً عن الالكترونيات التي تحث على العنف هو السبب الذي دفع المراهقين الى تلك الالعاب العسكرية، فضلا عن تكريس مفاهيم القوة والشجاعة، وارتباطها بالجانب العسكري وهو في نظرعدد من علماء علم النفس امر مطلوب،ولكن باسلوب متوازن وغير متطرف، كي لايكون شخصا عدائيا مستقبلا، ويميل للعنف والقوة في اغلب تصرفاته.
 
صراع القبائل
قد توحي التسمية للوهلة الاولى للقارئ بكتاب ما اوربمااسطورة قديمة، لكنها في الحقيقة اسم لاحد الالعاب الالكترونية المعروفة باللغة الانكليزية"clash of clans"التي استقطبت الكثير من المراهقين، اذ هي لعبة ستراتيجية عسكرية يقوم فيها اللاعبون ببناء قرى خاصة بهم، وارسال الجيوش في مهمات لتدمير معسكرات العدو، ربما يكون من الطبيعي أن تستقطب هكذا العاب المراهقين الاولاد، ولكنها ايضا اصبحت محط اعجاب الفتيات، فعلى سبيل المثال تستهوي هذه اللعبة نور وليد (16 عاما)، فهي تقضي ساعات متواصلة في بناء قريتها وتستخدم المصطلحات الخاصة بهذه اللعبة، بل اصبحت تتنافس مع زميلاتها في اللعب.
 
العنف المجتمعي
إنَّ التوجه العسكري للمجتمع العراقي ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج لسياسات الحروب الماضية وقد بدأت بشكلها الفعلي في تسعينيات القرن الماضي، وحسب رأي الباحثة والاكاديمية في الجامعة المستنصرية الدكتورة سهاد القيسي، فان النظام المباد كرس المفاهيم العسكرية في المجتمع، بدليل وجود مجاميع قتالية ضمت المراهقين واليافعين، ورضوخ الاسر آنذاك وقبولهابتجنيد ابنائها مقابل مبالغ مالية معينة.
وتشير القيسي الى انه في السابق كانت منظمتا اليونسكو واليونسيف تحرمان زج الاطفال في النزاعات المسلحة، وترفضان الالعاب العسكرية وتمنعان استيرادها لخطورتها على الصغار.
 
نصوص عقابيَّة
من حق اي طفل أن يعيش طفولة هادئة وصحيحة في ظل مناخ اسري مستقر، ويستفيد من الوسائل التقنية والمعرفية بشكل يطور من مهاراته لاحقا، هذا ما نصت عليه اتفاقية نيويورك لعام 1990، وهذا مابينه الناشط الاعلامي والقاضي ناصر عمران الموسوي، محذراًمن مخاطر الاستخدام الخاطئ للوسائل التقنية والالعاب الالكترونية، خصوصا في مرحلتي الطفولة والمراهقة،وهي من اصعب المراحل في حياة الفرد،لانها تتأرجح بين البناء السلوكي الاجتماعي السليم والجنوح الاجرامي، اذ ينتقل تدريجيا من التقليد الطبيعي لسلوك الوالدين الى تقليد ابطال افتراضيين داخل الشاشة الصغيرة، وما يزيد الامر خطورة هو ان هذه الالعاب خصوصا المتسمة بالعنف، قد تحرض الحدث على الجريمة وهذا واضح في مضامين واهداف هذه الالعاب، ان المعالجة الحقيقية لانتشار العاب العنف ليست فردية خاصة بالأسرة او موقفا قانونيا رادعا عبر تشريعات عقابية، بل جملة متكاملة من الحلول، تبدأ بالتربية والتوعية الاجتماعية وخلق البديل الايجابي ورقابة مؤسساتية مختصة مع نصوص عقابية فاعلة ورادعة.
 
احصائيات خطيرة
اظهرت الاحصائيات التي قام بها عدد من المختصين مؤخرا، ان الالعاب العسكرية الالكترونية استقطبت مايصل الى 350 مليون لاعب، امضوا اكثر من 3مليارات من الساعات في اللعب مطلع شهر ايار الماضي، فضلا عن وجود ارتفاع ملحوظ وكبير جدا باستخدام تلك الالعاب، وتم بيع ملايين النسخ منها وبشكل 
سريع.
 
مخاوف كبيرة
بدا الصغير احمد يوسف منشغلا ومنزعجا في الوقت نفسهلعجزه عن شراء انواع الاسلحة والمعدات والشخصيات التي تتواجد بلعبة "الببجي" لذلك زاد غضبه وصراخه بشكل واضح وهو يرتدي نظارته الطبية التي بدأ باستخدامها منذ فترة وجيزة، اذ تقول والدته: "لاحظت ضعفاً حاداً في نظر ولدي مؤخراً واستغربت كثيرا، فهو لم يشتك يوما من مشكلة في عينيه، لذلك عرضته على طبيب مختص اكد لي انبصره بدأ يضعف بشكل واضح، نتيجة قضائه ساعات طويلة على شاشة هاتفه المحمول، لذلك نصحني الطبيب بضرورة تقليل ساعات استخدام الهاتف خلال اليوم الواحد حفاظا على صحة ولدي، وليس ذلك وحسب بل مخاوفي بدأت تزداد، بسبب تواصله مع من هم اكبر منه سنا في هذه اللعبة التي لاتضع شروطاً ولا قيوداً على الفئات العمرية.
 
إدمان الكتروني
تشير الدراسات والتقارير الى امكانية تعرض المراهقين الى الادمان الالكتروني، الذي بدوره يحمل في طياته العديد من الآثار السلبية منها ما تعد آثاراً قصيرة المدى، كعدم إتمام المهام، وعدم تحمّل المسؤوليات، وزيادة سريعة في الوزن، وأخرى طويلة المدى تظهر على شكل أعراض جسدية، كآلام الظهر والرقبة وآلام في رسغ اليد، ومشكلة في الرؤية، ناتجة عن التحديق لفترات طويلة في الشاشات الإلكترونية.
وتؤكد التقارير وجود مساع من قبل بعض الدول لحظرمجموعة من الالعاب ومنها (ببجي،كول اوف ديوت، كلاش او كلانس، فورت نايت،بال بول 8، ليك او لاينس،بتل فيلد، مدل اوف اونر)، اذ ترافقهذه الالعاب مخاوف من امكانية تجنيد الشباب والمراهقين من قبل جماعات ارهابية، بسبب خاصية التواصل الحر وغير المقيدوامكانية التعرف على اشخاص من جنسيات وانتماءات مختلفة، فضلا عن وجود الحسابات الوهمية التي تستهدف الشباب غالباً.
 
عنف مفرط
لاحظت مؤخرا على صغيري احمد (10 اعوام) استخدامه العنف والضرب عندما يلعب مع ابناء عمه الصغار، اذ تكمل الأم حديثها وتردف: "لم يكن ابني سابقا ذا طباع عنيفة ولكنه بعد ان اصبح مدمنا للالعاب العسكرية برزت لديه صفات مختلفة منها العصبية الشديدة والتعامل بالعنف والقسوة مع اقرانه والرغبة بالصراخ، فضلا عن العناد الشديد وعدم الانصياع لتوجيهات الاكبر منه 
سناً".
 
الشخصيَّة البوليسيَّة
في العديد من المجتمعات هناك تشجيع للشخصية العسكرية والبوليسية، لذلك ينمو الطفل على القوة والقسوة احيانا، بل يقتني العديد من الاباء اسلحة اللعب الصغيرة لاولادهم لتمييزهم عن اخواتهم الصغيرات، ولكن من وجهة نظر الباحث ولي الخفاجي فان هكذا اساليب تتبع مع الصغار قد تعطيهم الاحساس بضرورة التمتع بالشخصية العسكرية كي يتم تقبلهم في هذا المجتمع، عوضا عن تلك الشخصية المتزنة.
 
الإعلام الوطني
من المهام الاساسية للاعلام الذي يعد سلطة رابعة في المجتمع،بث رسائل الوعي والتثقيف والدور الرقابي، الذي يهدف الى الحفاظ على رصانة المجتمع وحمايته من مظاهر العنف، وتقع على عاتق الاعلام الوطني المهمة الاكبر وهي تثقيف الاجيال الشابة وتوعيتها، وترى الاكاديمية الدكتورة سهاد القيسي ان حلول الاعلام الوطني الرصين، محل الانتهازي والمتحزب، هو الوسيلة المثلى كي تنمو الاجيال بطريقة سوية، ويتحلون بالانتماء الوطني عبر البرامج البناءة والهادفة الى تكوينشخصية رصينة ومحبة لوطنها، وبالتالي سيبتعدون بشكل تدريجي عن الالعاب والبرامج المتسمة بالعنف المفرط.