موظفون يمثلون المرض للتهرب من العمل

ريبورتاج 2020/09/20
...

  بغداد: سرور العلي 
 
من صغرنا ونحن نسمع تلك الحكاية التي أهم شخصياتها ذلك الرجل الكذاب، وتكراره في طلب النجدة، وصياحه كل مرة بأنه قد غرق في البحر، وما أن يهب أهل المدينة لنجدته، يتفاجؤون بكذبه، الى ان غرق ومات، بلا منجد ولا منقذ.
لم يكن البعض من موظفينا يختلفون عن هذا الرجل، فالحجج والقصص والاكاذيب، كل ذلك فقط لأجل ألا يذهب الى العمل، فقبل ذلك كان قد قرر مسبقاً، بأنه سيختلق كل شيء حتى يقنع رب العمل بكذبته، وتتكرر الاعذار وتتكرر معها الاجازات، ويغيب الاهتمام والمسؤولية.
«مسيلمة الكذاب»
تعددت الأسباب والغاية واحدة، فمنهم من يدعي المرض، وآخر يطلق الأعذار ليشارك أسرته الكذب، ومنهم من يقسم بأن حادث تصادم قد وقع له اثناء مجيئه الى العمل، فالكذبة لا بدّ من أن تكون ذات حبكة، ومن مميزاتها هو التخطيط مسبقاً، فاطمة مجيد (34 عاماً) موظفة في إحدى دوائر الدولة تقول: « لم أشعر بالراحة من مديرتي، فكيراً ما كانت توكل لي الأعمال اكثر من زميلاتي الموظفات، وتشعرني بالتقصير في ادائي بانتقادها المستمر لي، مما جعلني ذلك أصاب بالاحباط، وإطلاق الحجج والاعذار لكي لا أذهب الى العمل في كل يوم».
اما الطالب الجامعي عمر محمد (21 عاماً)، الذي استحق لقب مسيلمة الكذاب، لتكراره في الغياب عن الصف، فكل يوم كذبة جديدة، اذ يقول أحد زملائه بأنه «سيدخل موسوعة غينيس للارقام القياسية في عدد المرات التي كذب فيها على المدرسين، فتارة يتمارض واخرى يتحجج بطريق مقطوع، مما جعله الأول في الجامعة في هذا الامر».
 
لا للالتزام
يخضع قانون العمل الى المداومة والاستمرار، واظهار الانتاج بصورة عملية بلا تقصير في اداء هذه الواجب مهما كانت الظروف، والالتزام هو من الواجبات الثابتة، التي يجب على كل مسؤول المداومة عليها ولا يجب تركها او التخلف عنها، الا أن البعض يعمل عكس ذلك، فالامبالاة هي غايتهم، فقد تراه غير مؤثر في العمل، وجوده وعدمه واحد.
يؤكد محمد صالح (44عاماً)، موظف حكومي:»أن التهرب من العمل هو ظاهرة متفشية في معظم مؤسسات الدولة للتخلص من عبء العمل، وان الهاربين من العمل هم أشخاص متكاسلون، وغير مبالين ولا يراعون المسؤولية وبالتالي سيفقدون وظائفهم».
بينما يعزو التدريسي حامد جاسم تلك الظاهرة إلى:»غياب المحفزات التي تجعل الموظف محبا لعمله منها، التشكيك بقدراته أو فقدانه للأمن الوظيفي مما يشكل له إحباطا مستمرا، لاسيما في القطاع الحكومي، وفرض توجيهات وقرارات صارمة».
 
عوامل اجتماعيَّة
الباحثة الاجتماعية خلود الشمري، قالت لـ»الصباح»، حول تلك الظاهرة: «هناك الكثير من الموظفين يتحايلون ويدعون المرض من اجل الحصول على إجازة زمنية أو لعدة أيام، وهذه الحيلة هي من أقدم الحيل، التي يلجأ إليها الكثير من الأشخاص لأسباب كثيرة، فمنهم من يدعي المرض والتغيب عن وظيفته، بحثا عن عمل آخر في مجالات أخرى، كون الراتب الذي يتقاضاه غير كافٍ لسد التزامات الأسرة، ومنهم من تكون غايته لفت انتباه مديره وذلك لتخفيف المسؤولية عليه، والذين يدعّون المرض بأي شكلٍ من الأشكال هم فئة تبحث عن مكاسب ثانوية وشخصية». 
وأكدت»يجب معرفة الأسباب التي دعته إلى أن يقوم بهذا الأمر، وهذا يتطّلب أخذ معلوماتٍ دقيقة عن وضعه الاجتماعي والوظيفي، والعلاقات بجميع أنواعها للشخص، الذي يدعّي المرض، ومُعالجة الشخص من جميع النواحي، والجانب الاختصاصي الاجتماعي له دور مهم في مثل هذه الحالات، إذ إن دور العوامل الاجتماعية مهم
 جداً». 
 
الاختصاصي النفسي
وبينت الشمري «ان الحاجة إلى دعم اجتماعي قد تكون سبباً لادّعاء المرض، وربما الحاجة المادية قد تكون سبباً أيضا، والمشكلات والضغوطات النفسية قد تكون سببا رئيسا في التهرب من الدوام، لذلك تدخّل الاختصاصي النفسي مهم جداً لفهم ما أدى به إلى ادعّائه بالمرض، كذلك العوامل المتعلقّة بالعمل، اذ كثيراً ما يكون الشخص الذي يدّعي المرض غير سعيد في عمله، لذلك يدّعي انه مريض ويحاول التغيّب عن العمل، والمشكلات الزوجية أيضاً قد تكون سبباً في ادعّائه بخاصة عند الزوجات للهرب من الالتزامات الزوجية».
 
«متلازمة مانشهاوزن»
يسعى البعض من الموظفين لجذب الانتباه، اذ تأمل فئة كبيرة من الموظفين في صدور إجازات للتهرب من الأداء الوظيفي، ويمنح البعض لنفسه إجازة من دون عذر مقنع، ويعطي الحق لنفسه بالحضور متأخرا وعدم احترام الوظيفة ومصلحة العامة، حيث يعرف إدعاء هذا المرض بـ»متلازمة مانشهاوزن»، وهو اضطراب نفسي يتصرف معه الشخص كما لو انه مصاب بمرض جسدي في حين أنه لا يكون مريضا حقا. 
 
قانون الرب
يبين لنا علي عودة شرشاب، محام:» الموظف في جميع الداوئر المدنية منها والعسكرية يحمل امانة كبيرة متمثلة بالعمل المسند اليه وفقا للقانون، فهو أمانة يحاسب عليها ضمن دستور الله عز وجل، وكما جاء في قوله تعالى في سورة الصافات في الآية ٢٤((وقفوهم انهم مسؤولون)) وهي كذلك أمانة أكدتها جميع قوانين العالم ومنها قانون انضباط موظفي الدولة رقم ١٤ لسنة ١٩٩١، فالموظف الذي يتهرب من اداء وظيفته يحاسب شرعا وقانونا، فمن باب حصر أسباب التهرب من الوظيفة، هو الادعاء بالمرض أو اصطناع تقرير طبي مزور بتواطؤ مع طبيب، وذلك يتحمل وزره الموظف والطبيب نفسه، لأن الموظف بفعله هذا لم يكن وحده من ارتكب هذه الجريمة، بل هناك طبيب ايضا ارتكب جريمة التزوير والاشتراك بجريمة اصطناع المحرر المزور، وهناك ضرر خاص وعام من هذه الجريمة، وهو الاضرار بالمال العام والاضرار بالمواطن المستفيد من عمل هذا الموظف».