لقد كان كل شيء مميزاً، مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة على التلفاز، ووقت آخر للعب «الدعبل» في باحة المنزل، أوقات لحل الواجبات المنزليَّة، والجلوس حول مائدة الطعام معاً، الاحتفال بمناسباتهم كما في الأيام السابقة، عطلة نهاية الأسبوع، حكايات الأب والأم عن ماضيهما لأطفالهما، إذ لم تتخل بعض البيوت عن عاداتها وتقاليدها، ولأنها تعرف تماماً ماذا تعني الأسرة، لذلك اقتضى أنْ يبعدوا عنهم آفة قد تحرمهم من الشعور بهذه الأوقات مجدداً، إنها آفة الانترنت..
«اعبر النهر ما دامه ضيك»
احتدم النقاش بشأن كيفية تفعيل الانترنت بعد انقطاع دام لعدة ايام، لقد كانت اوقاتاً عصيبة بلا هذه الوسيلة التي تربطنا مع العالم اجمع، فذلك الذي يقضي اوقاته بمشاهدة المقاطع المرئية لتصل مشاهدته الى عدة ساعات بشكل متواصل، وآخر قد سيطرت على تركيزه احدى الالعاب التي تربط اكثر من لاعب بواسطة الشبكة العنكبوتية، وقد ترى عينيه وقد ذبلت من شدة السهر، الا ان الغريب في الامر وجود فئة من الناس قد منعت دخول هذه الاداة الى منازلها، فأحمد سالم (44 عاماً) أب لخمسة أولاد يقطن في احدى مناطق بغداد الجنوبية، قال:»لدي خمسة أولاد من بينهم بنتان في سن المراهقة، وجميعهم طلبة في المدارس وحرصاً مني على مستقبلهم، وخوفي على أخلاقهم، قررت أنا وزوجتي فصل شبكة الانترنت عن البيت تماماً، وعلى الرغم من أننا نقضي اوقات الفراغ على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصفح بعض الصفحات الترفيهية، الا ان مستقبل صغاري أهم من متعتي، لذلك ساسبق الوقت قبل أن يكونوا اصحاب قرار، عندها سيكون لهم الحق بامتلاك هذه
الوسيلة».
قبل الكارثة
لا نزال نسمع كل يوم عن طريق مشاهدتنا للأخبار والأحداث بأنَّ فلاناً قد ابتز احدى الفتيات بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي بعد قيامها بارسال بعض الصور الخاصة بها، او ان آخر قد سجل لفتاة مقطعاً مرئياً، وقد ابتزها به مقابل مبلغ من المال، والعديد من الحكايات والمشكلات التي تهدم الاسر بكبسة زر واحدة، سهى هاشم (39 عاماً) أم لفتاتين تحدثنا بإصرار: «بعد أنْ سمعت قصص الابتزاز الالكتروني اقسمت بأن لا مكان للانترنت في منزلي، فنحن قبل ذلك في مجتمع شرقي، وسمعة الفتاة مهمة جداً في حياتها، وعلى الرغم من اعتراض بناتي على قطع الانترنت عن المنزل، الا انه دار نقاش طويل، بيني وبينهن عن مخاطر هذه الوسيلة التي ستحطم مستقبلهن بغلطة واحدة، وما أن تكونن في بيت ازواجكن حينها لكن مطلق الحرية باستعماله، اما الان فالذئاب من البشر ممن يتربصون للفتيات، مستعدون ليقوموا باستغلالهن بابشع الطرق، لذلك ساقطع طريق هؤلاء بقطع الانترنت».
إباحي مباح
لم تكن الشبكة العنكبوتية قد حددت الفئات العمرية التي يجب أن تستخدمها، بل جعلت هذه المهمة تقع على عاتق الآباء والامهات، ففي الدول الاوروبية تجد أن الاطفال من عمر الـ15 فما دون لا يمتلكون هاتفاً نقالاً بين ايديهم، وذلك للمحتويات الخطيرة التي ستهدد بناء شخصياتهم وتوجهاتهم، الا اننا في دول الشرق الاوسط لم نراع هذه القوانين الا القليل، فالطفل احمد (14 عاماً) احد ضحايا هذه الوسيلة، يحدثنا والده ويقول: « انجرف ولدي بسبب رفاق السوء، حيث رشحوا له عنواناً لموقع مشبوه وغير اخلاقي، وبحكم فضول الاطفال وبغير وعي واستيعاب منه، يدخل بذلك عالماً اكبر منه بكثير، فقد لاحظت شحوبه بشكل مفاجئ، فبدأت بمراقبته وعندما اكتشفت أمره قررت فصل الانترنت عن المنزل، وتفعيله على هاتفي النقال فقط ،وعندما سألني عن السبب، تحدثت معه بشكل مباشر وصريح ونصحته بترك اصدقائه، الذين كانوا السبب وراء ذلك، وحافظت بذلك على ابني من الضياع والدخول في هذه الدوامة».
غيرة
قرر جمال حسين (33 عاماً) أن يقطع منظومة الانترنت عن منزله، وذلك بسبب المشكلات التي واجهته بسبب الانترنت، اذ يواجه اليوم العديد من الازواج الكثير من المشكلات، بينهم بسبب الانترنت، حتى وصل الامر الى الانفصال، اذ يحدثنا جمال عن معاناته مع هذه الآفة ويقول: « ما أن تزوجت احدى زميلاتي في الجامعة، الا وقد واجهتني العديد من المشكلات بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، ففي بادئ الامر، كانت زوجتي تحاول العيش كما الفتيات اللاتي تشاهدهن في هذه المواقع، وقد كثرت طلباتها وعدم قناعتها بحياتها، واحيانا اخرى تطلب السفر الى اماكن مكلفة، ما جعلني امسح جميع مواقع التواصل الاجتماعي من جهازها المحمول، الا انه ليس نهاية الامر، فقد ختمت تلك المشكلات بغيرتها كلما مسكت هاتفي وصرت اتصفح فيه، لذلك لا مكان لهذه الاداة في منزلي بعد
الآن».
وأنت عزيزي القارئ هل تستطيع العودة الى حياة ما قبل الانترنت، سواء لراحتك النفسيَّة أو للحفاظ على أسرتك
وأطفالك؟