بغداد: سرور العلي
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في تغيير سلوكيات البشر وممارساتهم وطرق تواصلهم مع الآخرين، ومنها ما هو سلبي كعدم احترام خصوصية الغير والتدخل في أدق التفاصيل، ويجد كثيرون متعة في استخدام تلك الوسائل والمنصات، ولكن المضايقات التي يواجهونها ويقترفونها مع بعضهم البعض جعلتها مصدر إزعاج
معاكسات
تحولت منصات التواصل لميدان من المعاكسات بين الشباب والفتيات لغرض التعرف، ولأن الاستخدام المبالغ به يدفع الشباب لمشاكسة فتيات لا يعرفونهن، لذا التسبب بمضايقتهن.
الشابة زهراء أحمد، طالبة جامعية، قالت:»تصلني يوميا عشرات الرسائل من أناس لا أعرفهم، ولا تربطني بهم صداقة أو قرابة على الرغم من أنني لم أضع صورتي الحقيقية، حتى اضطررت أخيرا لحذف حسابي في الفيس بوك».
وتابعت»للتخلص من مضايقات الآخرين علينا أن نقلل من استخدامنا لهذه الوسائل، وعلى الفتاة ألا تستفز الشاب والابتعاد عن برامج الدردشة».
وحتى المدراء والمسؤولين لم يسلموا من تلك المضايقات وتعكير صفو راحتهم، إذ يعاني فراس صلاح (55)عاما، مدير في إحدى الدوائر الحكومية من اتصالات موظفيه، أثناء تناوله طعام العشاء أو أثناء استحمامه، يقول صلاح:»يجب أن يراعي هؤلاء آدابا وأوقاتا معينة نكون فيها غير متواجدين على تلك الوسائل، ويحق لنا أن ننعم بقيلولة وراحة بعيدا عن ضغط العمل».
رسائل غير لائقة
ويستخدم البعض أسماء مستعارة وصورا غير حقيقية لممارسة مضايقاتهم عبر الانترنت، وإرسال رسائل ذات محتوى غير لائق أحيانا.
قال لنا التربوي حسين علي الحمداني عن هذه الظاهرة: «الحديث عن المضايقات في السوشيال ميديا يقودنا إلى الحديث عن عالم افتراضي، أو على الأقل خليط بين الواقع والافتراض، وبالتالي باب المضايقات مفتوح على مصراعيه للجميع، في ظل توفر الإمكانيات، وسهولة القيام بذلك، ولعل البعض تعرض للكثير من هذه المضايقات، سواء عبر الأسماء الوهمية التي يختفي البعض خلفها، أو من خلال نشر الأخبار الكاذبة، خاصة أن الكثير من الناس يعتبر مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة مهمة من وسائل متابعة الأخبار من جهة، ومن جهة اخرى وسيلة للتواصل مع الآخرين سواء الأقرباء أو الأصدقاء، لكن هذا في الوقت نفسه يتيح للآخرين التواصل معك بطريقة أو بأخرى، ناهيك عن الكثير من عمليات الابتزاز الالكتروني التي يتعرضن لها النساء بصورة كبيرة».
مضيفا»كما أن هناك خرقا للحسابات من قبل أشخاص محترفين في هذا، ولتجنب كل ذلك علينا أن نؤسس لوعي إلكتروني للمستخدمين، قائم على تحصين الحسابات، وتبديل كلمة المرور بين الحين والآخر، وربط ذلك بأمان أكثر سواء رقم هاتف أو بريد الكتروني، وأخذ الكثير من الاحتياطات التي من شأنها أن تعزز الحماية».
ذو حدين
وتحدث المحامي خضر عبد الرزاق:» تشكل مضايقات مواقع التواصل الاجتماعي واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الشباب، ومن إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي هو الوصول إلى الأشخاص بسرعة، ولكن قد تتحول إلى سلبية، حين نزعج الآخرين وتستخدم بشكل عكسي، كما أن الانشغال بتلك الوسائل فقط، تقلل من تحقيق الأهداف الناجحة والواقعية، فيلجأ الفرد للعالم الافتراضي».
تنمر
ويشعر البعض بالخوف من التعرض لمضايقة عبر منصات التواصل بسبب أشكالهم، أوضحت مروة حسين (28) عاما،:»كلما أقوم بنشر إحدى صوري أثناء جولتي في شوارع بغداد أو عندما أسافر، ينتابني قلق من ردود أفعال الآخرين، فبعضهم يتعمد الإساءة لتحطيم معنوياتي وانتزاع فرحتي».
اما علي رعد (19) عاما وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، اعتاد أن يعرض لحظات ممتعة من حياته اليومية، وهو يلعب تنس الطاولة في النادي مع زملائه، أو لقطات متفرقة في منزله، ولكن يواجه أحيانا انتقادات واسعة من متابعيه، ولكنه يصر على مواصلة الاستمتاع بما يحبه، قائلا:»أنا متقبل لجسدي وإعاقتي، وفي كل مباراة احصل على المركز الأول، وأسرتي وأساتذتي يقفون دوما معي ويساندونني، ويشجعونني على المضي بسلم النجاح».
غيرة وحسد
ويزداد التوتر بين الزوجين، لسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فيهدد استقرار العلاقة بينهما، وبسبب ظهورهما أحيانا في العالم الافتراضي بصورة مثالية غير موجودة في الواقع، إذا تشكو فرح باسم (30) عاما، من الكآبة حالما تتصفح حسابها الشخصي على الفيس بوك، وشعورها بالنقص نظرا لعدم معاملة زوجها لها مثل زميلاتها ما خلق لديها نوعا من الغيرة والحسد تجاههن.
وتحدث أحمد عباس الذهبي، دكتور علم نفس: «حرفيا السوشيل ميديا تحولت لمصدر إزعاج وكابوس في حياة الكثير من الناس، إذ أصبحت عبارة عن أمراض تدخل أجسامنا، وتسبب الاكتئاب والقلق والوسواس القهري، والعديد من الأمراض النفسية نتيجة لاجتياح مواقع التواصل الاجتماعي كل البيوت في العالم، وصارت تحظى بجزء مهم من وقت الناس من مختلف الشرائح العمرية، وأحدثت هذه المواقع ثورة عنيفة في نمط حياة الأشخاص وباتت تهدد الحياة الزوجية، وتفجّر بينهما مشكلات وصل بعضها إلى المحاكم، وانتهى كثير منها بالطلاق، ولم ينته إزعاج مواقع التواصل الاجتماعي إلى هذا الحد، بل أصبحت مصدرا لنشر أفكار منحرفة تستخدم لتدمير القيم الاجتماعية من خلال التطفل والتدخل في خصوصيات الآخرين».
وبين جمال عبد الناصر علي، 32 عاما، مدرب تنمية بشرية: «أن المشكلة في المستخدمين وليس في وسائل التواصل، والتكنولوجيا قدمت الكثير من المميزات والتطورات، ولكن هناك من يستخدمها بشكل سيئ كتجاوزه على غيره وتجريحه وشتمه بألفاظ مهينة وخادشة للحياء، متناسين أن الفرد تحكمه أخلاقه وتربيته وليست منصة تواصل».