زيارة الأربعين.. تأصيل تاريخي وتجديد للعهد

ريبورتاج 2020/10/02
...

إعداد: الصباح
 
تعد زيارة الأربعين للإمام الحسين (ع) من أبرز الزيارات حجماً وفضلا، ولا بد أن يكون لها تأسيس شرعي وعملي من قبل أهل البيت (عليهم السلام) حتى لا تقع في خانة البدع.
فقد ورد في تأسيس هذه الزيارة في المشهور من الروايات ان الصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري (ره)، وعطية العوفي (ره)، وهما أول من زار قبر الإمام الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده وصادفت الزيارة في العشرين من شهر صفر.
وروي أنَّ في يوم العشرين من شهر صفر كان رجوع وعودة حرم الإمام الحسين (ع) الى مدينة الرسول (ص) وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الى زيارة الحسين (ع)، وهو اول من زار من الناس. وليس هناك دليل قاطع يثبت أنَّ هذه الزيارة حصلت في المناسبة الأربعينية الأولى بعد مقتل سيد الشهداء.
وتؤكد الروايات المسندة كما ينقل ابن طاووس القول: قال الراوي لما رجعت نساؤه وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل مر بنا على طريق كربلاء، فوصلوا الى موضع المصرع فوجدوا جابر ابن عبد الله الانصاري (رض) وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل رسول الله (ص) قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين (ع) فوافوا وقتاً واحدا وتلاقوا بالبكاء وأقاموا المأتم).
ويقول الكفعمي (ره) انما سميت بزيارة الاربعين وذلك لأنَّ وقتها يوم العشرين من شهر صفر أي بمعنى مرور 40 يوماً على شهادة الإمام الحسين (ع) وهو اليوم الذي ورد فيه جابر ابن عبد الله الانصاري لزيارة الامام الحسين (ع) قاصداً إياه من المدينة وكان أول من زار من الناس، وفي ذلك اليوم كان رجوع حرم الإمام الحسين من الشام الى المدينة.
ويمكن الإشارة الى أنَّ من أسس هذه الزيارة عملياً هو الإمام السجاد (ع) والصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري، بينما أسس لها أهل البيت (ع) عقائدياً وروحياً وفكرياً من حيث الإشارة لفضل الزيارة في هذا اليوم المبارك. ودعوتهم المؤكدة فيها، وقد وردت عنهم الروايات والاحاديث المسندة بفضلها حتى عدوها واحدة من ثلاث لعلامات المؤمن.
أما بروز المشي في زيارة الأربعين كظاهرة منتظمة فإنها ظهرت في العصر الحديث في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي بأفراد ينطلقون من مدينة النجف الأشرف الى مدينة كربلاء المقدسة مشياً على الأقدام لمدة أربعة أيام، بمعدل 20 كيلو متراً في اليوم الواحد.
 
سند الرواية
تناولت الروايات في سند وفضل زيارة الحسين (ع) وخصت بذلك زيارة الأربعين وأعطت منزلة خاصة لقصد زيارته مشياً على الأقدام.
ينقل كامل الزيارات رواية عن الإمام الصادق (ع) في فضل زيارة الإمام الحسين (ع)، قال ابو عبد الله (ع) (من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين ابن علي (ع) ان كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحا عنه سيئة حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال ان رسول الله يقرؤك السلام ويقول لك: “استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى”.
ويروى عن الإمام العسكري (ع) انه قال: (علامات المؤمن خمس صلاة الإحدى والخمسين، وزيارة الاربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).
وقد أورد الامام (ع) زيارة الأربعين ضمن العلامات الخمس للمؤمن في إشارة للتأكيد عليها وأنها من العلامات التي تميز المؤمن، وبالتأكيد انَّ العلامات التي تحقق الإيمان هي مورد اهتمام المسلمين.
ويثار ضد هذه الرواية أنها بنسب غير معروف حيث ورد عن الامام العسكري (عليه السلام) مرسلة في مزار وتهذيب ومصباح الشيخ الطوسي وهكذا من تأخر عنهما إلا في مزار المشهدي، إذ قال (وبالاسناد عن ابي هاشم الجعفري عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري (ع) انه قال: (علامات المؤمن خمس: صلاة احدى وخمسين، وزيارة الاربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).
ورغم الاختلاف حول سند هذه الرواية غير ان السيد ابن طاووس ذكر في بعض مصنفاته ما يستشف منه وقوفه على سند لهذه الرواية اذ يقول (روينا باسنادنا الى جدي ابي جعفر الطوسي في ما رواه باسناده الى مولانا الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه انه قال ..(الرواية اعلاه).
واما ما رواه الشيخ الطوسي عن صفوان ابن مهران قال: قال لي مولاي الصادق (ع) في زيارة الاربعين تزور عند ارتفاع النهار وتقول: (السلام على ولي الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه، السلام على صفي الله وابن صفيه، السلام على الحسين المظلوم الشهيد، السلام على اسير الكربات وقتيل العبرات..الخ).
وتعدُّ هذه الرواية واضحة وتامة في الدلالة على المطلوب وحيث حث الإمام فيها على زيارة الاربعين وحث جلي لا ينقصه مزيد البيان، حتى انه جعل لذلك اليوم زيارة خاصة ويعد من الأدلة تامة السند والدلالة.
 
استنهاض الامة
عمل المؤمنون على المواظبة على اداء الشعائر الحسينية ومن ضمنها الزيارة الأربعينية حيث كان لها الاثر الكبير في استنهاض الامة وزرع الروح الثورية وبذلك نشبت ثورات عديدة ضد الحكم الاموي آنذاك كل ذلك استلهاماً من الزخم الروحي والمعنوي للشعائر الحسينيَّة وبالذات زيارة الاربعين.
وفي مستدرك الوسائل عن زرارة بن اعين عن ابي عبد الله الصادق (ع) انه قال (ان السماء بكت على الحسين (ع) اربعين صباحا بالدم والارض بكت عليه اربعين صباحا بالسواد، والشمس بكت عليه اربعين صباحا بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه اربعين صباحا وما اختضبت امرأة منها ولا منا ولا أدهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله ابن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.
 
في العصر الاموي
واجهت زيارة الأربعين في العصر الاموي معارضة شديدة لما يحمل ذلك الحكم من اطباع سلبية، فكان من مميزات ذلك العهد أنْ تبنى إعلامه تشويه القضية الحسينية وروج للأمة أنَّ الإمام الحسين (ع) كان مارقاً طالباً للسلطة وروج لفكرة أنَّ من يخرج على الخليفة (المزعوم) يستحق القتل وذلك بسبب وقوع تلك الحادثة الأليمة في عصرهم، فعمدوا الى استخدام وسائل وطرق للتعتيم على الأمة، فضلاً عن محاربة أتباع أهل البيت (ع) وبالذات شعيرة زيارة الإمام الحسين (ع) في الاربعين، وكان من يقدم على إحياء تلك الشعيرة يتعرض لأنواع المضايقات والتعذيب وحتى القتل، وقد استخدمت الحكومة الأموية تلك الضغوطات لما رأته من الخطورة في ممارسة الشعائر الحسينية وبالذات الزيارة الاربعينية، بالمقابل صمد المؤمنون في تلك الآونة حيث استلهموا قواهم من روح الثورة الحسينية.
 
حتى العصر الحديث
إن إقامة مظاهر الاحتفال لذكرى عاشوراء والأربعين قديمة جداً، إذ بدأت مراسم العزاء والاجتماعات للنوح على مصيبة الإمام الحسين (ع) بعد مرور أيام قليلة على مصرعه (ع) وذلك بتوافد أهل الضواحي والسواد الى كربلاء بعد رحيل الجيش وقد اجتمعوا عند قبره (ع) رجالاً ونساءً وعندما عاد الإمام زين العابدين (ع) من الشام الى كربلاء يوم الاربعين كما ورد في بعض الروايات وجد أهل السواد مجتمعين حول قبر الإمام الحسين، وقبور الشهداء بالحزن والحداد فاستقبلوه بالبكاء والعويل يتقدمهم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري (ره)، وهكذا عندما عاد ركب اهل البيت (عليهم السلام) الى المدينة المنورة استقبلهم الناس بالحداد والبكاء وضجت المدينة ذلك اليوم ضجة واحدة حتى صار ذلك اليوم يوم مات فيه رسول الله (صلى الله عليه اله وسلم) ثم اقيمت مجالس العزاء في انحاء المدينة فان مجلس  الامام زين العابدين (ع)  ومجلس العقيلة زينب ومجلس الرباب زوجة الامام الحسين (ع) ومجلس ام البنين ام العباس (ع) وغيرها تملأ أجواء المدينة بالكآبة والحزن والحداد، وكان الامام زين العابدين (ع) يغتنم كل فرصة لإحياء ذكرى المأساة في نفوس الجماهير، فمن ذلك مثلا: سمع (ع) ذات يوم شخص ينادي في السوق (ايها الناس ارحموني انا رجل غريب، فتوجه له الامام (ع) فقال له: لو قدر لك ان تموت في هذه البلدة فهل تبقى بلا دفن؟ فقال الرجل الله اكبر كيف أبقى بلا دفن وأنا رجل مسلم وبين ظهراني أمة مسلمة فبكى الإمام زين العابدين (ع) وقال: (وا أسفاه عليك يا ابتاه تبقى ثلاثة ايام بلا دفن وانت ابن بنت رسول الله (ص).
واستمر أئمة الهدى يحثون شيعتهم على التمسك باحياء ذكرى الإمام الحسين (ع) رغم الإرهاب والضغط والممانعة التي مارسها الحكام ضدهم وكانوا (ع) يفتحون أبوابهم للشعراء والمعزين منذ عصر الإمامين الباقر (57-114هـ) والصادق (ع) حتى عصر الإمام الرضا (ع) (148-203هـ) في عصر الخليفة المأمون (813-833م) الذي توسعت فيه الشعائر الحسينية وانتشرت مجلس العزاء بتأييد الامام الرضا (ع) ودعم المأمون فكانت دار الامام الرضا (ع) تزدحم بالناس يستمعون الى رثاء الامام الحسين (ع) وكلمات الحث والتشويق والتشجيع من الامام (ع).
مرت الزيارة الاربعينية بعدة محطات في القرن العشرين وفقا لمجريات الانظمة السياسية للدولة العراقية وموقف الحكومات تجاه الزيارة، الى أن وصلت الى مرحلة تحقيق الهدف وعدم الاكتفاء بالصبر والصمود والجهاد فقط وإنما العمل لظهور الزيارة بهدفها الكبير الذي تأسست من أجله وضحى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله لتحقيقه وهو الاصلاح وبناء الامة والمحبة وقبول الاخر وتحقيق الحضارة.
وشهدت زيارة الاربعين بعد عام 2003 التي مثلت سقوط النظام البعثي في العراق تطورا كبيراً في عملية المشاركة من قبل الزائرين واخذ عدد المشاركين في الزيارة بازدياد ملفت.