المضحك المبكي في علاقات المسلمين الإقليمية والدولية، أن من ينظر الى خارطة الصراعات العربية والاقليمية وينظر الى صراعات الدول الاسلامية وانماط التحالفات سيصاب بالدهشة وبكثير من المرارة المضحكة حقاً، فعلى المستوى العربي نجد تحالفات عربية مع تركيا واخرى مع ايران وثالثة مع الولايات المتحدة ورابعة مع الصين وخامسة مع روسيا وسادسة مع دول الاتحاد الاوروبي.
وفي جبهة الصراعات بين الدول الاسلامية نجد انماطاً لتحالفات غريبة وعجيبة، فالصراع بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين، أذربيجان وأرمينيا، ملتهب للغاية وتحالفات الطرفين مع القوى الإقليمية تدعو للتأمل، فأذربيجان ذات الأغلبية الشيعية (يمثلون 85% من السكان) متحالفة مع تركيا السنية ضد أرمينيا المسيحية التي تعتبر العدو التقليدي للاتراك، وإيران الشيعية متحالفة مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية!! إن تركيا تنتصر لاذربيجان لقوميتها الطورانية وليس لطائفتها الشيعية ونكاية بارمينيا. وايران تتحالف مع أرمينيا ومع روسيا لمصالح ستراتيجية، ولأن الأذريين علمانيون بفعل التأثيرات الشيوعية السابقة.
وفي كل هذه التحالفات بين دول المنطقة والقوى الدولية، نجد اختراقات روسية واعدة تهدف الى تركيز نفوذ سياسي وعسكري، ليس في الدول الآسيوية فحسب، بل في منطقة طالما حلم بولوجها الستراتيجيون الروس منذ عهد قياصرة روسيا. والوصول الى المياه الدافئة والتمركز فيها!!.
والى جانب الدخول الروسي على جبهة النفوذ في المنطقة العربية، تسلل الصينيون بنعومتهم المعهودة وإن تاجروا بالسلاح! فقد وقع العراق ومصر والسعودية والإمارات وقطر حسب صحيفة "تشاينا تايمز" الصينية على صفقات لشراء طائرات صينية متطورة "دون طيار"، من طراز "ASN-209"، وتزودت قطر بمنظومة قاذفات "SY-400" من الصواريخ الصينية قصيرة المدى، وهو ما يشكل عودة لمفهوم "كسر احتكار السلاح" الذي كان أحد أبرز منجزات العهد الناصري.
وإذا ما افشلت الولايات المتحدة اتفاق العراق مع الصين (بقيمة قرابة 500 مليار دولار) فإن إيران تقدمت للصين طالبة باتفاق مماثل بقيمة 400 مليار دولار، وعلى غرارها تطالب أصوات تركية مسموعة بمثل هذا الاتفاق مع الصين، ما يترك انطباعاً بأن الدخول الاقتصادي الصيني للمنطقة سيكون باهراً وحاسما ومستمراً بنحو تصاعدي بالتأثير والنفوذ.
وما ان غفا الزمن قليلاً عن ساحتنا العربية واستيقظ، حتى وجدنا القوتين الواعدتين الناهضتين روسيا والصين وقد أصبحتا تتحديان الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة الاميركية، وتجتذبان بشجاعة القوي الجسور ونعومة المتسلل الحذر حلفاء الغرب، الأمر الذي ينذر بتغييرات جوهرية في موازين القوى وفي أنماط التحالفات على المدى القريب ميدانياً.
وفي خضم تلك التحولات وملابساتها، فإن محاولات دول الاتحاد الاوروبي -على الرغم من الإرث الاستعماري التاريخي- للعودة الى ساحة النفوذ السياسي والعسكري في المنطقة العربية باءت بالفشل، والفشل الأوروبي على ما يبدو قد تجاوز حدود الشرق الأوسط ليصبح فشلاً داخلياً وخارجياً. وفي هذا الصدد يقول استاذ الجيوبولتيكيا في مدرسة الحرب الفرنسية فرانسوا توال: ان الدول الأوروبية هي المنطقة الأكثر تضرراً من التحولات الدولية الجديدة، سواء على الصعيد الداخلي من خلال أزمة الهوية واحتدام التيارات الاثنية والعنصرية وما يسمى بالسيادية، او على الصعيد الخارجي حيث يواجه الأميركيون والأوروبيون الشكوك والإدانات لقيمهم ومبادئهم السياسية والأخلاقية، وتتصاعد النزعات المعادية لهم".
إن "الفوضى" في العلاقات الإقليمية والدولية التي أرادتها الولايات المتحدة "خلاقة" حين احتلت العراق استغلتها قوى دولية صاعدة، فتمكنت من فرض حقائق جديدة على مستوى الجغرافية السياسية والاقتصادية، سينجم عنها تآكل في ميزان القوى، لينتقل من الاحادي الى التعددي. إن الاحتكار الغربي لمقدرات الشرق الاوسط بات أمراً مشكوكاً في استمراريته، بفعل التحديات الروسية في آسيا، وفي قلب أوروبا وفي الشرق الاوسط، وبفعل القدرات الصينية فائقة التنظيم التي جمعت مصالح 100 دولة في الحزام والطريق.