لغة جديدة في مواقع التواصل الاجتماعي

ريبورتاج 2020/10/04
...

   زينب صاحب
بعد أن كانت للغتنا العربية رصانتها وقواعدها الثابتة، جاءت مواقع التواصل الاجتماعي واكتسحت مفرداتها كل ماهو متعارف عليه، وحلت علينا عبارات جديدة، صارت متداولة بشكل كبير ليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، بل حتى في الواقع اليومي، لتقول للغة الضاد والشعراء والانبياء، بأن التطور قادر أن يزيح كل ماهو رصين، ما لم نستطع ان نتحكم فيه.
ضياع
منذ نشأة اللغة العربية كانت وما زالت لغة الهجاء الاكثر تطوراً، فنظامها متطور جداً في نمط الصوت والكتابة القياسي، اذ يكون التطابق الشبه التام ما بين المنطوق والمكتوب، عكس ما نراه في اللغات الاخرى، الا أن الأجيال المعاصرة دامت تحولها حسب قابليتها في التعلم.
وأبدت من هذا الجانب الدكتورة في علم الاجتماع هالة فالح احمد رأيها بشأن هذه الظاهرة المستجدة " إنَّ الشباب في الوقت الحالي وبعد الانفتاح الذي أحدثه الأنترنت على الدول الأخرى، اختلطت عليهم اللهجات والمفردات، ما أبعدتهم عن لغتهم الأم، ولا شك أنَّ التحدث باللغة الانجليزية، وإدخال بعض الكلمات منها بين الجمل العربية أضر في زيادة ضياعهم عن لغتهم الاصلية، ولكننا نأمل من المؤسستين التربوية والتعليمية أن تلتفت عند العودة الى الدراسة، والتوعية والتوجيه بالتحدث بلغة عربية فصحى".
 
"اللغة الفيسبوكية"
يضطر الكثيرين لمواكبة لغة الشباب في تعليقاتهم على بعض المنشورات أثناء تصفحهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك ليشعروا بالاندماج مع المجتمع، ورغم وجود رصيد وافر من مفردات اللغة العربية، الا انهم اختاروا ان يقلصوا او يستبدلوا منها ما يناسب زمنهم هذها.
تقول المواطنة زينة احمد (٤٤) عاماً: "أترك في كثير من الأحيان تعليقات بمفردات شبابية مثل (منور، أوك، ضلعتي) وغيرها، فقط لأواكب ماهو دارج في الوقت الحالي، او كما أسميها بـ (لغة فيسبوكية)، ورغم عدم حبيّ لهذه العبارات، الا أن تأثري بلغة أولادي الثلاثة ونزولي عند ثقافتهم اضطرني لاستعمالها، الغريب في الامر أن لغتنا العربية هي الوحيدة التي لم تقترض مفردة من اللغات الاخرى، عكس ما هو متعارف في باقي اللغات، الا أنَّ هذا الجيل قد غير هذا القانون".
 
إغلاق
أدمن بعض الأشخاص ترك تعليق بكلمة "منور" على أية صورة تصادفهم، وهم يتصفحون تطبيقي "أنستغرام وفيسبوك" دون ان يقرؤوا الأسطر التي تسبق الصورة، وهذا ما حدث مع المواطن علي جمال الذي قال: "توفيت صغيرتي بعد شهر من ولادتها وأردت أن أرثيها ببعض الكلمات، التي خرجت من وسط الألم، لذلك أرفقت معها صورة للصغيرة وكنت أنتظر بعض كلمات المواساة والدعاء علها تهدئ من معاناتي بالفقدان، وما هي سوى دقائق وانهملت التعليقات بأغلبية ساحقة "منورة"، "فدوة لالله" تليها بعض كلمات البهجة والسرور، الا القليلين ممن استوقفتهم كلماتي، قد تركوا تعليق يناسب ما نشرت".
يضيف جمال "قررت حينها ان اعاتب جميع الأقارب والأصدقاء الذين علقوا خارج الموضوع، وقمت بذلك بطريقة واحدة، وهي إغلاق حسابي في مواقع التواصل الاجتماعي 
نهائياً".
 
"وك"
الاختصار في المفردات الى الحد التي تصل فيه الى حرفين فقط، فحدث ولا حرج، تطل علينا من هذا الاطار مديرة احدى المدارس هناء كاظم فتقول: "رغم فوائد ومواقع التواصل الاجتماعي الجمة التي لمسناها في حياتنا الاجتماعية، لكن لا يخفى على الجميع سلبياتها على لغتنا العربية الفصيحة، التي بدأت تضمحل للأسف، وتختفي عن ألسن أبنائنا وحتى نحن الكبار، ربما بسبب ما يسمى بعصر السرعة، اذ أصبحنا نختصر أغلب كلماتنا، فاستخدمنا بدائل عنها مثل كلمة "هلو" او "اوك او يييي" وغيرها الكثير، وبالرغم من كوني مدرسة لغة عربية، الا انني استبدلت صباح الخير الجميلة بكلمة "صباحو".
 
 
 
 
 
 
 
مفردات دخيلة
لا تستخدم جميع فئة الشباب هذه العبارات المتداولة، فهناك الكثيرون لا يحبذونها، وذلك لمعرفتهم بأن هذه المفردات لاتكفي بالتعبير عن مفاهيمهم المختلفة بالدقة التي يتطلعون لها، ومنهم الشابة حوراء عباس(٢٠عاماً) والتي قالت: "لم أستخدم بتاتاً اية مفردة دخيلة، منذ امتلاكي صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ست سنوات مضت والى هذه اللحظة، ولسبب بسيط هو اشمئزازي منها، ولأنني لا أراها تعبرا عن ثقافتي، اضافة الى إفراط البعض باستخدامها في كل شيء، وانا بطبعي لا أحب ان أنجرف مع الأشياء الدارجة بل افضل التميز دائماً".
 
"حي الله الضلع"
يتمسك البعض من كبار السن بالكلمات التي نشأ وكبر عليها، ولانها تمثل اصولهم وثقافتهم لم تغيرها حقبة، ابو جعفر (٦٥عاماً) قال: "اعتبر كلماتنا البغدادية جزءا من حياتي، ففيها ترتبط ذاكرتي بأيام الطفولة وايام الخير، اضافة الى انها موروث خاص للبغداديين مثلها مثل المعالم، كما ولكل محافظة من محافظات العراق لهجتها وكلماتها الخاصة التي تمثل تراثها وتأريخها، اما اليوم ومع انخراط أبناء الجيل الحالي وراء بعض المفردات الدارجة، صرنا نعاني من تلوث سمعي، فقد دخل عليّ واحدً من أحفادي وقال (شلونك جدي الضلع اللي ما ينشلع)، تفاجأت حينها ووبخته فوراً، فهذه عبارة لا تمت للاحترام بصلة، وأجبرته أن يستبدلها بكلمة (حياك الله)، لما فيها من مهابة وتقدير".