المتسولون..أدوارٌ تمثيليَّة في مسرح الشارع

ريبورتاج 2020/10/13
...

  كاظم لازم 
 
رغم أن مهنة التسول قديمة جداً، لكن أساليب وطرق التسول في السنوات الأخيرة تعدت أفعال متسولي تلك الأيام، لتصل إلى تجسيد أدوار وشخصيات تستحق أن تنال جوائز، بسبب وصولها لمشاعر وقلوب الناس الذين لا يملكون سبباً ليتراجعوا عن عطائهم.
حكايات
المتسولة أم رجاء، (47 عاماً) والتي جعلت من مرأب المشتل شرق بغداد بيتاً لها تدخله منذ ساعات الصباح الأولى، لتتنقل بين مركبات الأجرة وصولا إلى ساعات المساء لتجمع مبلغاً يصل أحياناً إلى (60) ألف دينار، أم رجاء التي وصلت بغداد عام 2018 قادمة هي وأولادها من أحد الاقضية في شمال العراق، بعد أن توفي زوجها بسبب مرض السكر، أكدت أن البكاء والتوسل هما سلاح خفي، قد تحتاجه لانتزاع المال من جيوب تحمل في داخلها أفاعي، لتضحك، مستذكرة أولادها الذين توزعوا بين سوق شلال في منطقة الشعب ببغداد، وآخر في مرأب حكومي ينظف بفرشاته مركبات الوزارة، ويجلب لها عند المساء أكثر من ثمانين ألف دينار، ليتم ادخارها من أجل دفع ايجار السكن في منطقة البتاويين، ليبدأ عند الصباح نهار جديد.
بينما اختلفت حكاية المتسول رزاق محمد الذي امتهن التسول عندما تشاجر مع والده، الذي منعه أكثر من مرة بسبب العار الذي ألحقه بأسرته، عندما شاهده الكثير من أقربائه، وهو يتسول في أحد المراقد الدينية، فيقول:»كان فشلي في الدراسة وعدم عثوري على مهنة، إضافة لمشكلتي مع والدي بسبب عودته في الليل، ما قادني للتسول، إذ جمعت من هذه المهنة لدى احدى شقيقاتي التي اسكن معها أكثر من مليوني دينار، لأفكر بوصولي إلى أكثر من ذلك المبلغ من أجل إقامة مشروع صغير أساعد فيه والدتي».
بينما اصبح الحصول على مبالغ كبيرة لدى المرأة المسنة «نوشة» هدفاً وحلماً يومياً، وهي تفترش الأرض في إحدى الأسواق الشعبية، لتخفي إحدى ذراعيها تحت عباءتها فتظهر لمن يشاهدها بأنها مصابة بـ»العوق»، لتضطر كما تقول الى أن تغير أماكن تسولها منذ أن تم كشف عوقها الزائف من قبل الكثير من البائعين ورواد السوق، لتقول مدافعة عن نفسها:»كانت ابنتي السبب الرئيس لمزاولتي لهذه المهنة، بعد أن هجرها زوجها مع ابنتها الصغيرة، ليضاف اليها زوجي وتقدمه في العمر «.
 
أوضاعٌ اقتصاديَّة
الباحثة الاجتماعية زينة خليل قالت عن ظاهرة التسول:»رغم أن المهنة قديمة إلا أن الأساليب المبتكرة التي لجأ اليها البعض من المتسولين، جعلت أعدادهم تزداد، ما دفع بالقوات الأمنية للتصدي لهم أكثر من مرة، خاصة في الأشهر الأخيرة من هذا العام وإلقاء القبض عليهم، ومع هذا فإنها تدعو الجهات المختصة إلى دراسة هذه الظاهرة التي بدأت بالتكاثر في بغداد وجميع محافظات العراق، فالوضع الاقتصادي الصعب وتداعيات جائحة كورونا التي عصفت بالعالم، دفعا بالعديد من هؤلاء ليعودوا لمهنة التسول، للبحث عن وسيلة رزق، ووجدها البعض منهم طريقة سهلة للحصول على المال رغم نشوزها الاجتماعي، فالحلول لا تأتي فقط بإلقاء القبض عليهم، بل بالبحث ومعرفتهم من خلال إحالتهم على جلسات نقاشية، يشارك فيها باحثون في علم الاجتماع للوصول إلى نتائج وحلول بعدما تميز البلد بهذه الظاهرة دون عواصم عربية يمر اقتصادها بظروف سيئة خلال السنوات الأخيرة بسبب تفشي وباء (كوفيد - 19)».
 
التخطيط والداخليَّة
وحسب إحصائيات وزارة التخطيط، فإن نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر هي 30 % من السكان، أي إن تعدادهم هو 12 مليوناً وعلى فرض إن 1 % من هؤلاء لديهم استعدادات سلوكية لممارسة التسول تحت أي مسوغ، فان عدد المتسولين لا يقل عن 120 ألفاً، يضاف لهم بعض ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين لا ترعاهم أسرهم والمؤسسات الحكومية وبعض الذين يعانون اليتم والترمل والفقدان الأسري، والمجموع عدد لا يستهان به.
وبينت الوزارة، أن ثلث الشعب العراقي مهدد بالفقر خلال عام 2020، وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي: إنه «من المتوقع أن ترتفع نسبة الفقر هذا العام بسبب تعطل الناس عن العمل بفعل الأزمة».
من جانبها، تقول وزارة الداخلية العراقية إنها مستمرة بشن حملات للقبض على المتسولين، وان «هناك حاجة لتشريع قانون يتضمن عقوبات رادعة للحد من ظاهرة التسول التي تحولت إلى مهنة، تديرها جماعات خارجة عن القانون، مستغلة الأطفال وكبار السن والنساء وذوي العاهات الجسدية لجمع المال غير الشرعي».
وأوضحت نجدة بغداد، انه «حسب توجيهات اللواء عبد الكريم إسماعيل مدير نجدة بغداد، تمت المباشرة بحملة كبيرة للحد من ظاهرة التسول في جميع تقاطعات وساحات العاصمة بغداد».
وبحسب مسؤول عراقي بوزارة الداخلية، فإن قوات الأمن اعتقلت خلال العامين الماضي والحالي أكثر من 8 آلاف متسول في عموم بغداد والمحافظات، وتم إطلاق سراح غالبيتهم بعد أخذ تعهدات منهم بعدم العودة للتسول، موضحاً أنّ «المتسولين لا يلتزمون بالتعهدات، وسرعان ما يعودون إلى الشارع من جديد».
وأشار إلى أنّ «المتسولين لجؤوا إلى أساليب جديدة في التسول، من خلال ممارسة أعمال أخرى، فجميعهم اليوم يمارسون غسل زجاج السيارات في التقاطعات المرورية، وقد وردتنا شكاوى كثيرة من أصحاب السيارات الذين يتضايقون كثيراً من هذا الأمر»، وبين «لم نتمكن من اعتقالهم، لكونهم لا يظهرون التسول، فلا توجد فقرة قانونية تتيح لنا اعتقال من يمارس العمل»، محذراً من «خطورة استغلال هؤلاء بأعمال العنف من قبل جهات إرهابية»، وتابع «تحتل بغداد الصدارة في أعداد المتسولين، ونعمل مع الجهات المعنية على منع هذه الظاهرة التي تؤثر في المجتمع».