الأساليب التي تمارسها الإعلانات والدعاية الرقميَّة

ريبورتاج 2020/10/24
...

  مآب عامر 
 
 
حين وقع نظري عند تصفح موقع "فيسبوك" على معلومات وأبحاث وصور توصي بأمور مختلفة مثل استخدام "الليزر" للتخلص من ندب الوجه أو نصائح لاختيار قصات مميزة وألوان جديدة تلائم شعري القصير، وحتى في تحسين أنشطة أخرى مثل ارتداء القبعات أو النظارات الشمسية في بعض الأحيان، كنت أشعر بحاجتي للاهتمام بمظهري واختياراتي المتعلقة بشكلي.
كل هذا يبدو جيداً، إلا أن شعوري بالضيق بدأ يتفاقم تدريجياً، كلما أخذت هذه المقالات والصور التي كانت شبيهة بالإعلانات التسويقية بالتزايد، إذ لم يعد الأمر ترويجياً فحسب، بل أصبح بالنسبة ليّ يحاكي مظهري عن كثب. 

وربما، لا يدرك الكثير من مستخدمي مواقع التواصل حقيقة هذا الأمر حين "يسهل وصولهم لكل ما يحتاجونه من منتجات وأساليب "، فجأة من دون الاستعانة باختيارات البحث، ولكن بالنظر إلى أننا نتعرض لذلك باستمرار، من الممكن أن يراودنا تساؤل عما إذا كان هذا الأمر مصادفة أم نتيجة لتتّبع مسار؟.
 
تقنيات للتتّبع
الأمر نفسه حدث مع عبد الله علوان، عندما انتبه إلى أن بعض الصفحات الخاصة بالأخبار والمعلومات ذات الصلة بالسمنة وزيادة الوزن تُعرض بين الحين والآخر عند تصفحه للموقع. 
وما زال علوان يحاول أن يفهم تفاصيل ذلك، ويقول "أعلم أن لمواقع التواصل تقنيات للتتّبع، وانها تفرض ما يقع في مصلحتها على المشتركين، بما في ذلك ترتيب الإعلانات والمعلومات والأخبار بطريقة وكأنها هي من تتحكم باختياراتك". 
ويعاني علوان من البدانة المفرطة، وكثيراً ما يشعر "بالتوتر" لعدم قدرته على تقليل وزنه، لكنه يستغرب دوماً من التفضيلات والاختيارات التي يعرضها له "الفيسبوك" عن اللياقة البدنية والمطاعم ومختلف المقبلات والأكلات الشهية بدون تدشينه لصفحاتها أو محاولات الوصول إليها عبر استخدام محركات البحث.
كما ويصب علوان استغرابه أيضاً على محركات البحث، سواء في مواقع التواصل أو غيرها، إذ تحرص على الاحتفاظ باختيارات المستخدم حتى لو حاول حذفها، بل انها دائماً ما تُظهر للمستخدم من لحظة وضعه لمؤشر الكتابة في محرك البحث جميع الاختيارات التي قام هو بالبحث عنها أو غيره. "سيري"
لكن هذا ليس كل شيء، فبرنامج المساعد الصوتي الرقمي "سيري" الذي يتيح افتراضياً عبر تلقي (صوت بشري) طريقة سهلة للحصول على المعلومات لمستخدمي الحواسيب الشخصية والهواتف الذكية دائماً ما يثير الذعر لدّى مروان سيف (33 عاماً).
وبرنامج "سيري" هو عبارة عن "مساعد ذكي" يمكنه تشغيل الهواتف والأجهزة التي تنتجها الشركة من خلال تلقي أوامر صوتية. 
إذ يرى سيف أن الطريقة التي يعمل بها "سيري" تبعث القلق على خصوصية حياتك الشخصية، بل وتمنحك شعوراً بأن الهدف من وجوده بجهاز هاتفك النقال هو لمراقبتك.
والشعور بعدم الارتياح أصبح أكثر تعقيداً بالنسبة لسيف عندما اكتشف صدفة، أنه "عقب التحدث مع قريبين منه عن شيء ما، ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي صفحات لمواقع تقترح عليه بعض الأمكنة أو التعليمات استناداً إلى المواضيع التي تم تداولها في حديثه، الأمر الذي يصفه سيف بـ "المخيف".
 
"اليوتيوب"
ولا يتعلق الأمر بذلك فقط، فملاك فؤاد (23 عاماً) تشعر بالقلق هي الأخرى من استخدام اليوتيوب، وتقول إن "الإعلانات الدعائية المعنية بالبثور الجلدية تتّبع مسار كل ما أشاهده على موقع يوتيوب".
إذ يثير ذلك مخاوف لدى ملاك من أن ما تحدثت عنه سراً لوالدتها تم نقله من قبل "موقع يوتيوب" الخاص بحاسوبها الشخصي إلى شركات الدعاية التي تستغل حاجتها لعلاج معين للبثور، فتقوم بإرسال تلك الإعلانات بين الحين والآخر. 
 
الوعي بالتقنية الرقميَّة
بطبيعة الحال، يحدث ذلك لكل مستخدمي "السوشيال ميديا" سواء في (الفيس بوك، الغوغل، الانستغرام، واليوتيوب)، التي تقترح العديد من الأفكار والخيارات، بداية من الإعلانات، أو الأساليب والأنشطة وكذلك الفعاليات التي تدعو للاهتمام بها أو مزاولتها، وليس انتهاء بالتوصيات الصحية والتجميلية، وبالتالي يمكن للمستخدم، كما يقول المهندس التكنولوجي زاهر رسول، اختيار ما يناسبه.
المفارقة التي يجهلها الكثير من رواد "السوشيال ميديا"، ان الإعلانات والمعلومات والأبحاث والصور وحتىّ الفيديوهات التي يشعر المستخدم بأنها موجهة إليه، وتفاصيلها تتعلق بشكله الخارجي ومظهره، وفق رسول، هي استشعار لما تُظهره سمات الصورة الشخصية المستخدمة على تلك المواقع.
إذا نظرنا على سبيل المثال، فإن موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أطلق خاصية التعرف على الوجه لجميع المستخدمين، التي ستكون مغلقة إلا في حال تفعيلها من قبل المستخدم، إذ يتم التعرف على وجوه الأشخاص في الصور الجماعية والفيديوهات بشكل اوتوماتيكي، وإرسال إشعار للمستخدمين حين يتم استشعار وجوههم في منشورات لأصدقائهم أو أي صفحات أخرى، كما أن الخاصية ستكون مفيدة في حال استخدم أشخاص أو صفحات صورة المستخدم من دون علمه، اذ ستعلمه بذلك، كما ستقترح على المستخدمين أسماء الأشخاص في الصور، إذا ما رغبوا في إضافتهم.
 
خصوصية
من هنا، يبدو أن كل ما يحدث على هذه المواقع يعتمد على مدى الخصوصية التي يحددها المستخدم، ويقول رسول إن "الحل بمنتهى البساطة ويمكن أن يجده المستخدم في إعدادات الخصوصية"، لأن الحصول على البيانات الشخصية لا يمكن أن يتاح استخدامه بحرية مالم يتعين على المستخدم تحديد الخصوصية.
ويرى أن مشكلة المخاوف والشكوك تقع في مسألة (الوعي) بالتقنية الرقمية وما ينطوي على استخدامها من إيجابيات وسلبيات، موضحاً أن الكثير من المستخدمين لا يحرصون على معرفة التفاصيل الفنية لتلك التقنيات، لذا فهم يشعرون بالذعر منها". 
ولعل (الوعي) الذي يفرض علينا تأمين منازلنا وإحكام إغلاقها قبل النوم أو عند الخروج منها، هو نفسه من يدفعنا لفهم تقنية المعلومات، وهو أيضا، يعزز استخدامنا الآمن من دون الشعور بالقلق.