تقويم الورقة البيضاء

اقتصادية 2020/10/24
...

ياسر المتولي

تناولنا في عمودنا السابق المزايا التي تتمتع بها الورقة البيضاء ووصفناها من حيث الشكل بالورقة المملوءة، والان علينا تبيان مواطن النقص فيها وبمعنى آخر المآخذ على الورقة.مما لا شكّ فيه أن أي عمل لا بدّ أن يتضمن مزايا وعيوبا، ويترك التقييم لمن يوازن بينهما أيهما الأرجح فيكون التقييم منطقيا وعادلا.أول المآخذ على الورقة انها لم تعرض على اصحاب المصلحة من مواطنين وخبراء ومعنيين بالتنفيذ، خصوصاً القطاع الخاص من خلال ممثليهم عبر منظمات المجتمع المدني ذات التخصص الاقتصادي لتعم الفائدة وتخرج الورقة كاملة من اي نقوصات.وكما أشرت في المقال السابق فإن الورقة بدت خطة ستراتيجية للاصلاح الاقتصادي وليست للاصلاح المالي كما حملت عنوانها، وهذا مايبرر عرضها على الجمهور لاشباعها نقاشاً، وهذا لم يحصل والسبب الوقت غير كافٍ ونظمت الورقة على عجالة ما وضعها في دائرة النقاش والتقييم.هناك مآخذ اساسية على مضمون الورقة كونها خطة اصلاح ستراتيجية متكاملة وليست كما جاء في عنوانها خطة اصلاح مالي فقط، ان الورقة لم تولي التنمية الصناعية والقطاع الصناعي اهتماماً يرقى لأهميته، إذ تعد الصناعة مصدراً مهماً لتوليد الموارد التي يحتاجها البلد للاستعاضة عن الريع النفطي، ومعلوم ان العراق كان رائداً في المجال الصناعي على مستوى البلدان العربية نظراً لما يمتلكه من مصانع ومنشآت تكفي لامتصاص اغلب الايادي العاطلة عن العمل، فيما لو نشطت الصناعة في مجاليها العام والخاص.. كما لوحظ ان الخصخصة قد اتخذت وسيلة لتوفير الموارد المالية دونما تحديد لاهدافها وإلزام الجهات المستفيدة باستغلالها للاغراض نفسها، هذا التفصيل لم يظهر في الورقة.كما أغفلت الورقة جوانب مهمة أخرى، كان لا بد من التطرق لها وتوضيحها، فعلى سبيل المثال لا الحصر إنها لم تعطِ المساحة الكافية لاهمية التعليم والعلم، هذا الجانب الاساسي في البناء السليم والذي يعد الثروة الاساسية للبلد في إدارة وتوجيه الموارد الاساسية، وقد كان العراق مشهودا بكفاءاته العالية التي هاجرت لاسباب معروفة، ويتضح ذلك جلياً من خلال عدم تأشير الورقة الى البعد الستراتيجي لتقنيات المستقبل والتي تنذر بعدم قدرة الدولة والقطاع الخاص على توفير فرص عمل للخريجين، ذلك لأن الكثافة السكانية لاتستوعبها القطاعات الانتاجية مستقبلاً والسبب أن جيل الشباب متجه نحو التعليم الجامعي، وبالمقابل هناك توسع مضطرد بفتح الجامعات، وهنا ستواجه الدولة صعوبة في إقناع الخريجين بالعمل بصفة عامل او فلاح وهذه ثقافة متوارثة وكرست خلال هذه الحقبة.أضف الى ما تقدم فإن المهن المقبلة ستعتمد على الذكاء الصناعي وتقنيات المعرفة والاتصالات، فيما مخرجاتنا الجامعية اغلبها لاتمت بصلة لهذه التخصصات، كما تفتقر الورقة الى تبيان أسس ونوع وشروط وسبل تنفيذ الحوكمة، إذ تمت الاشارة اليها فقط دونما توضيح لآليات واهداف وسبل تنفيذها. وأخيراً الورقة تفتقر الى تحديد ادوات التنفيذ للاصلاحات المقترحة من حيث النوعية والكمية والزمان والمكان.
نأمل من الحكومة الأخذ بنظر الاعتبار لهذه الملاحظات والمقترحات لإغناء الورقة واظهارها بالشكل الكامل، فهي ورقة مملوءة كما أسلفت لكن تنقصها بعض الملاحظات آنفة الذكر.