محمد عجيل
أصبحت العطل الرسمية إحدى سمات العهد الجديد، حتى أصبح المواطن ينتظر خبرا عبر التلفاز او مواقع التواصل الاجتماعي تعلن فيه الحكومة الاتحادية او المحلية في المحافظات عطلة رسمية لليوم التالي، بمناسبة وغير مناسبة، ويرى معنيون أن كثرة العطل الرسمية في دولة ما دليل على تعطيل الشعب في مختلف نواحي الحياة، وإيقاف عجلة الانتاج في المصانع والمدارس والجامعات، وهي محاولة للتخفيف عن التزاحم، الذي تشهده الشوارع بالمارة والمركبات، نتيجة غياب مشاريع فتح الطرق وإيجاد انفاق في المدن العراقية.
قانون العطل الرسميَّة
يقول الخبير القانوني المحامي عباس جابر في معرض تعليقه على الاجازات الرسمية "لقد اصدر العراق قانون رقم (10) لعام 1963 والذي حدد بموجبه العطل الرسمية في العراق وكانت كالآتي ، الجمعة من كل أسبوع وثلاثة ايام لعيد الفطر وأربعة مثلها لعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية، والعاشر من محرم الحرام ومولد النبوي الشريف، و14 تموز ذكرى الثورة، ويوم 8 شباط، ويوم 6 كانون الثاني ذكرى تاسيس الجيش العراقي، والاول منآيار عيد العمال العالمي، كما وأعد القانون المذكور بعض المناسبات الخاصة بالطائفة المسيحية عطلا رسمية، مثل رأس السنة الميلادية، ويوم 25 كانون الاول يومي العيد الكبير يوم الكفارة، ويومي لعيد الفصح، ويومي عيد المضلة، كما وذكر القانون أن الموظفين من الطوائف المذكورة لهم الحق بالتغيب عن دوائرهم، شريطة أن تقتطع الأيام من إجازاتهم الاعتيادية".
ويضيف جابر "من خلال نظرة متأنية للقانون أعلاه نجد أن عدد ايام العطل الرسمية بلغ خمسة عشر يوما في كل عام، باستثناء عطل الاخوة المسيحيين وهذا يدلل على اهمية العمل ومواصلة الانتاج لدى الحكومة، لكن للاسف الشديد ان غياب التشريع رغم وجود مجلس النواب العراقي، قد اسهم بشكل فاعل في تخبط المنظومة الحكومية في ضبط إيقاع العطل الرسمية، حتى اصبحت تتجاوز الخمسين يوما في السنة، وهو رقم غير موجود في بقية دول العالم، ومن خلالكم أناشد الى أهمية إكمال قراءات مشروع العطل الرسمية المدروج ضمن اعمال مجلس النواب في دورته الحالية، حتى نكون دولة حضارية تعطي اهمية لإنتاج مواطنيها".
وكشف الخبير القانوني عباس جابر عنأن "كثرة العطل الرسمية باب من أبواب الفساد، لأنهاتحرم خزينة الدولة من أموال الجباية في دوائر خدمية، مثل الكهرباء والبلديات والضرائب والتسجيل العقاري والمرور والدوائر العدلية والجوازات".
وعود انتخابيَّة
يقول المواطن مسلم عباس"لم يمر يوم علينا الا ونحن ننتظر خبرا عاجلا (الحكومة تعطل الدوام الرسمي في الدوائر باستثناء الخدمية والصحية منها)، وحتى حينما نذهب الى تلك الدوائر نجدها معطلة، وأرى من العيب أن تشرعن الحكومة ظاهرة تعطيل الدوام وتحوله الى مكسب لها، في حين يحتاج المواطن الى من يقضي حاجاته، وان الامر لا يخلو ان يكون وجها من أوجه الفساد، الذي لابدّمن أن يقضى عليه، لان تعطيل عجلة الحياة بسبب او من دون سبب، ستؤدي حتما الى نقص بالإنتاج البشري والصناعي".
وتعتقد الموظفة في تربية بابل عاتكة محمود "ان كثرة العطل الرسمية دليل قاطع على عدم قدرة الحكومة للإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها، وهي تحاول بشتى السبل تقليص مسؤولياتها في الدوائر الرسمية، فمثلا ان دوائر التسجيل العقاري والمرور والتي ترفد الخزينة بمليارات الدنانير، تشهد كل يوم زخما ينتج عنه تذمرا شعبيا، بسبب الفساد وضعف الخدمات، وحينما تعلن الحكومة سواء كانت اتحادية او محلية عطلة رسمية، فإنها تعتقد أنه الطريق الى امتصاص نقمة المراجعين".
إنَّ العطل الرسمية زادت عن توقعاتها واصبحت تخضع لمزاجات المسؤولين، وخاصة في مجالس المحافظات، حتى اصبح امرها لا يتعدى مناسبة غير مقرونة بأبعاد وطنية، والا ما بالك ان يعطى يوم عطلة الى مناسبة انخفاض درجات الحرارة، هذا ما قاله الناشط المدني حسين علي جاسم الذي اضاف "ان اعطاء صلاحيات منح العطل الرسمية الى مجالس المحافظات زاد من الطين بلة كما يقولون، حتى انها اصبحت جزءا من الوعود الانتخابية، ولدي من المعلومات ان منح عطلة رسمية في احدى المحافظات يتم من خلال الهاتف بين اعضاء الحكومة المحلية، ويذاع الخبر على مواقعهم الخاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، فتبدو الفرحة في التعليقات من قبل الذين لا يدركون معنى العمل والسخرية في بعض منها من قبل الذين يدركون قيمة الدوام في الدوائر الرسمية".
أسباب منطقيَّة
ونفى عضو مجلس بابل السابق زهير عباس "ان تكون العطل الرسمية قد خضعت لارادة المجلس، وان جميع العطل الرسمية التي اصدرها مجلس بابل، كانت مبنية على أسباب ومسببات منطقية، فمثلا ان سقوط المطر بكميات كبيرة في ظل ضعف الخدمة المقدمة للمواطنين أدى الى قطع الطرق امام وصول الموظفين الى دوائرهم والطلاب الى مدراسهم، مما اضطر المجلس الى إصدار قرار يعطل به الدوام الرسمي، وكذلك الحال بالنسبة الى المناسبات الدينية، التي تتسبب في التحاق العشرات من الموظفين الى الزيارة".
واكد "نحن مع تشريع قانون العطل الرسمية سواء من قبل الحكومة الاتحادية او المحلية، لان ذلك يضع المواطن والمسؤول امام واجباته من دون انتظار عطلة في هذا اليوم او ذاك".
بينما أبدى محافظ بابل بالوكالة حسن منديل، تحفظه على كثرة العطل الرسمية وقال: "ليس من مهام مجالس المحافظات في صفتها التشريعية أن تعطي يوما عطلة، لكن من مهامها ان تشرع قانونا للعطل الرسمية، لان الدوام في الدوائر من اختصاص السلطة التنفيذية، التي ترى ضرورة مواصلة الدوام وتقديم الخدمة للمواطنين".
واوضح "ان هناك اياما تضطرنا الى إصدار قرار بتعطيل الدوام الرسمي، مثل غلق الطرق اثناء الزيارة الأربعينية في عاشوراء، او انخفاض درجة الحرارة الى ما دون الصفر المئوي، حيث نجد من واجباتنا حماية التلاميذ في مدارس ربما لا تمتلك وسائل تدفئة".
وبين هذا الرأي وذاك، تبقى العطل الرسمية واحدة من التحديات التي تواجهها الدولة العراقية، وهي تحاول ان تشق طريقها نحو المدنية، لكنهاترتبط بارادة مواطنيها وقدرات مسؤوليها على تجاوز الروتين، والتفكير جديا في تشريع قانون يُحد من ظاهرة الانفلات في الدوائر الحكومية.