{ملتقى الكتاب} يرممُ الحياة الثقافيَّة في الموصل

ريبورتاج 2020/11/15
...

    سرور العلي 
 

نجح المهندسان حارث ياسين وفهد صباح وهما من أهالي الموصل بتأسيس ملتقى ثقافي، يضم مقهى ومكتبة معاً، أطلقا عليه اسم "ملتقى الكتاب"، ليكون واجهة ثقافية وتقصده الوفود العربية والأجنبية، والذي يعد الأول من نوعه ويتضمن العديد من المشاريع المثمرة.
مدير مشروع الملتقى حارث ياسين تحدث لـ"الصباح"، عن انطلاقته الأولى:"بدأت الفكرة منذ عام 2017 بعد تحرير الموصل وناقشتها مع الشريك الآخر في المشروع، فطرحنا أفكاراً أخرى تخدم أبناء المدينة وتنتشلهم من الدمار الذي حل بهم، ليتم الاتفاق على مشروع الملتقى، فكان الافتتاح الرسمي عام 2018، على الرغم من تحديات الظروف المادية والاجتماعية التي واجهتنا".
قبلة المثقفين
وكان هدف الملتقى منذ تأسيسه هو إيجاد فضاء ثقافي يتسع للجميع، وقبلة لكل المبدعين، اذ ان أكثر ما يميزه هو كونه نشأ بجهود ذاتية شبابية من دون دعم حكومي أو من منظمات المجتمع المدني، وجاء الملتقى كتعويض عن خسارة شارع النجفي في الجانب الأيمن من مدينة الموصل، والذي كان مركزاً للكتاب قبل احتلاله من قبل عصابات داعش الاجرامية.
وأوضح ياسين"كشباب كان علينا البحث عن مشاريع خاصة بنا، لا سيما ان الوظائف غير متوفرة والبطالة متفشية، وعندما كنت أذهب إلى مقاهي المدينة أجدها بسيطة ومتواضعة، وتخلو من العازفين والرسامين أو المسرحيين و الشعراء، فحاولنا خلق بيئة مشتركة للجنسين وتتضمن جميع الشرائح الفنية".
واستدرك"بدأ الملتقى نشاطاته بجلسات توقيع الكتب ونقاشات حول كتب مختارة ومهمة، وكان كل يوم أربعاء تقام جلسة، إضافة إلى الأمسيات الشعرية للشعر الفصيح والشعبي والنبطي". 
وبين فهد صباح، الشريك الآخر في تأسيس الملتقى:"بدأنا برحلة تنفيذ المشروع بالبحث عن محل صغير قرب جامعة الموصل، واستثمار كل مدخراتنا فيه، وهو أمر يستحق منا التضحية، طالما يخدم مدينتنا".
ويسعى القائمون على الملتقى إلى انشاء مؤسسة تعنى بالثقافة والتعليم والفنون، وتهتم بجوانب الأدب لتكون بصمة وواجهة حضارية في الموصل، ولنشر الثقافة المعرفية، وأن تكون منظمة مجتمع مدني في السنوات المقبلة، وأن تتجاوز المحلية لتصل إلى العالمية.
ويستذكر ياسين شارع النجفي قائلا"كان من الشوارع الثقافية وشريان الحياة في الموصل، ويشبه كثيرا شارع المتنبي في بغداد والفراهيدي في البصرة، إذ يحتوي على مطابع ومكاتب حتى تدمر على أيدي الإرهاب، فأصبح ركاماً وبنايات مهجورة على الرغم من جهود الأهالي لإعادة ترميمه".
 
عروض ثقافيَّة
كان للملتقى دورٌ بعد التحرير من خلال الأنشطة والعروض الثقافية التي لم تكن موجودة، والتي تهتم بالكتاب والقراءة، وإقامة الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية، والتركيز على المقامات الموصلية والتراثية، كمقامات ملا عثمان الموصلي، وإعطاء أهمية للسينما وعرض أفلام من انتاج محلي لشباب موصليين ودعم إبداعهم، ويطمح مثقفو المدينة لاستعادة روحها الحضارية وتحرير الأفكار من التشدد والتعصب الذي حاولت عصابات داعش زرعه.
وأكد صباح "أقمنا مئات الجلسات في المطالعة والموسيقى والمسرح والسينما، فكانت هناك العشرات من دور السينما في المدينة جميعها انهارت بفعل الإرهاب". 
اسهم الانفتاح على المدن الأخرى كاربيل والسليمانية وبغداد في اقبال الكثير من السكان على الملتقى، وبعد تغيير النمط والعادات القديمة الراسخة لديهم، كان من الطبيعي جدا أن ترى فتاة تعزف أو ترسم داخل الملتقى.
 
مهرجانات للقراءة
أقيمت العشرات من المهرجانات والمعارض الفوتوغرافية والفنية ومعارض الكتاب، ومنها مهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ"، و تم توزيع 10 آلاف كتاب مجاني، وآخرها كان معرض الكتاب قبل أسابيع تحت شعار"معرض الكتاب في ملتقى الكتاب"، تضمن دور نشر مهمة ومن مختلف محافظات العراق، لتغيير الركود الذي أصاب الحركة الثقافية بسبب جائحة كورونا، حسب ما يقول ياسين، مضيفا"حاولنا أن نصنع كل يوم نشاطاً ونعقد الجلسات والمسابقات التي تخص التراث والتاريخ، وشارك الرواد في أعماله، وطباعة جزء من الكتب لهم، ليتركوا بصماتهم المميزة".
وتحدث صباح عن المعرض"كان الأول من نوعه في المدينة، إذ احتوى على آلاف العناوين وفي جميع المجالات من أدب وسياسة واقتصاد واجتماع وغيرها من العناوين المختلفة، ولم يكن المردود المادي هو هدفنا الأساس، رغم انه حق مشروع، ولو كان كذلك لأغلقنا ملتقى الكتاب منذ العام الأول من افتتاحه بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها المدينة وغالبا ما ندفع إيجار المكان من حسابنا الخاص، لكن لا يمكننا التفكير بعد اليوم في التراجع وغلقه، لأنه أصبح يعني الكثير للموصليين، سواء كانوا من المثقفين أو القراء والصحفيين والكتاب".
الشاب غيث أحمد، أحد رواده عبر عن سعادته بالملتقى لحاجة الموصل لنافذة رحبة تستقطب الجميع مضيفا"نأمل أن تتطور المراكز والملتقيات الثقافية، لتعود بفائدتها على السكان والتشجيع على القراءة والبحث، وتوفير جميع مراجع العلم والمعرفة".
 
الملتقى النسوي
ولم يقتصر الملتقى على تلك النشاطات فحسب، بل هناك برنامج "مدارك القراءة"، الذي يسلط الضوء على الكتب والروايات ومناقشة مضامينها من قبل حلقات شبابية، كما يضم "النادي النسوي الأدبي"، الذي يهتم ويتبنى الشابات المبدعات، ويوضح ياسين"أدخلناهن ورشاً خاصة باللغة العربية والشعر وأوزانه وبحوره، حتى أصبحن قادرات على كتابة القصيدة بكل أنواعها، وتدربن على أيادي أساتذة مختصين بهذه المجالات، وطُبع كتاب خاص بهن يجمع إبداعاتهن لدعمهن على الاستمرارية وتقديم المزيد".
وقالت آية عبد الجبار،احدى المشاركات في الكتاب: إنَّ "الكتاب هو حصيلة مشروع، عملنا عليه لمدة سنة، و يتضمن ورشاً لتطوير فن الكتابة القصصية والشعرية، وكذلك الكتابة المسرحية، فالملتقى النسوي هو فرع من مشروع ملتقى الكتاب، الذي دعم وتبنى مواهبنا للنهوض بالواقع الأدبي في المدينة".
وتابعت عبد الجبار: "كون الموصل مدينة معروفة بعاداتها وتقاليدها المحافظة، كان الأمر صعباً للغاية لكن ليس مستحيلاً، في بادئ الأمر كنا تسع مشاركات ثم أخذ العدد بالزيادة إلى أربعين مشاركة، عن طريق فتح استمارة الكترونية لكل من تحمل موهبة الكتابة، وكانت هذه الورش تقام في أيام العطل".
ولتشجيع مشاريع الشابات تم التعاون مع جامعة الموصل، كما حصل الملتقى على الدعم من منظمة" Expertise France" اذ خضعت نصوصهن للتدقيق والفحص واختيار الأفضل، ما يمثل تحفيزاً لبقية المشاركات وحجر البداية، المشروع لم يكتف بالكتاب فحسب بل أقدم على عرض النصوص الشعرية، وعرض مسرحي من إبداعاتهن وسط حضور واسع.
 
"بيبونات الموصل"
وعن تسمية الكتاب بـ"بيبونات"، أكدت عبد الجبار: "لكل بيبونة عطرها الخاص، والبيبون هي زهرة تشتهر بها الموصل، ولأننا في بداية الربيع الأدبي في الموصل نحاول النهوض بالكتابة الشعرية والنثرية، واقناع الأسر بضرورة مشاركة بناتها، فنحن بداية التغيير الإيجابي".
ويلفت ياسين إلى "أن الملتقى منح فتيات الموصل مساحة آمنة لبدء خطواتهن في عالم الإبداع ليصبحن أديبات".
وأشار إلى أنهم اسهموا في اعداد عشرات الزيارات المدرسية لطلبة المدارس الابتدائية والثانوية الى الملتقى بشكل مجاميع من اجل ترويج حب المطالعة بين الطلبة.
 
زيارات
زار المكان الكثير من الشخصيات العربية والأوروبية البارزة ومنهم القنصل الفرنسي في العراق، فضلا عن تعاون الملتقى مع منظمات دولية كالبريطانية والفرنسية.
وأكد صباح"على مدار الشهر يبقى الملتقى حافلاً أما بالجلسات الشعرية أو احتفاليات توقيع الدواوين الشعرية أو الروايات أو كتب أخرى، ويلتقي كبار الأساتذة والمفكرون فيه، وبالرغم من الكثافة العددية للحاضرين في كل جلسة تحدث، ألا أن الهدوء دائماً ما يكون حاضراً، فللكتب المصفوفة على هذه الجدران خصوصيتها والجميع يحترم ذلك". 
ويعتقــــــــــــــــــد حارث ياســــــــــين "أن الأجيال المقبلة تحتاج إلى ثقافــــــــــــــة القراءة والمطالعة، ومختلف الفنون الأخرى".
وختم فهد صباح حديثه قائلا:"لدينا طموحات وأهداف وانا متيقن بأننا سنحققها بتكاتفنا وتعاوننا من أجل موصلنا الحبيبة".